تدرس الصين حاليًا سلسلة من الإجراءات الجديدة بهدف إنعاش سوق العقارات المتعثر، وسط مخاوف متزايدة من تأثير الضعف المستمر في القطاع على الاستقرار المالي للبلاد. وتشمل المقترحات قيد الدراسة تقديم دعم للرهن العقاري للمشترين لأول مرة على مستوى البلاد، بالإضافة إلى إجراءات أخرى تهدف إلى تحفيز الطلب وتخفيف الضغوط على المطورين.
يأتي هذا التفكير في إجراءات جديدة بعد سنوات من التراجع في مبيعات وأسعار المساكن، ورغم الجهود السابقة التي بذلتها الحكومة لتقوية القطاع. ويشمل ذلك تخفيف القيود على عمليات الشراء وخفض حدود القروض، إلا أن هذه الإجراءات لم تحقق النتائج المرجوة حتى الآن.
الجهود الحكومية لإنعاش سوق العقارات الصيني
وبحسب مصادر مطلعة، فإن وزارة الإسكان والتنمية الحضرية والريفية، بالإضافة إلى صناع السياسات الآخرين، يبحثون في خيارات متنوعة لإنعاش سوق العقارات. أحد أبرز هذه المقترحات هو تقديم دعم مباشر لتكاليف الفائدة على الرهون العقارية الجديدة، بهدف جذب المشترين وتشجيعهم على الدخول إلى السوق.
بالإضافة إلى ذلك، يجري النظر في زيادة المبالغ المخصصة لخصومات ضريبة الدخل للمقترضين من البنوك لتمويل الرهن العقاري، وتقليل الرسوم والتكاليف المتعلقة بمعاملات الإسكان. تهدف هذه الإجراءات إلى تخفيف العبء المالي على المشترين المحتملين وجعل شراء المنازل أكثر جاذبية.
تأثير التراجع العقاري على القطاع المالي
يشكل التراجع في سوق العقارات تهديدًا متزايدًا للاستقرار المالي في الصين، حيث أن القطاع العقاري يلعب دورًا حيويًا في الاقتصاد. وحذرت مؤسسة “فيتش ريتينغز” الشهر الماضي من أن تدهور توقعات السوق العقارية، إلى جانب تراجع قدرة الأسر على سداد القروض، قد يؤدي إلى تفاقم جودة الأصول في البنوك الصينية.
وبلغت قيمة القروض المتعثرة في البنوك الصينية مستوى قياسيًا بلغ 3.5 تريليون يوان (حوالي 492 مليار دولار أمريكي) بحلول نهاية سبتمبر، مما يعكس الضغوط المتزايدة على القطاع المصرفي. وبحسب تحليل لـ “بلومبرغ إنتليجنس” قد تكون مئات المليارات من اليوان من الرهون العقارية في حالة قيمة سالبة، مما يؤثر على ثقة المشترين ويزيد من تراجع مبيعات المنازل، ويعرض قيمة أصول مطوري العقارات لمزيد من التآكل.
القيود على فعالية الإجراءات السابقة
على الرغم من أن الحكومة الصينية اتخذت خطوات لتخفيف القيود على شراء المنازل في بعض المدن الرئيسية مثل بكين وشنغهاي وشينزين، إلا أن هذه الإجراءات لم تسفر عن تحسن ملموس في أسعار المنازل. ففي شهر أكتوبر الماضي، سجلت أسعار المنازل الجديدة والمعاد بيعها أكبر انخفاض لها منذ عام على الأقل.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه المستهلكون الصينيون حالة من الحذر والترقب، بسبب تراجع توقعات الدخل في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي العام. وقد انخفضت قيمة الرهون العقارية القائمة في الربعين الثاني والثالث من العام الجاري بنسبة 3.9٪، مما يشير إلى ضعف الطلب على التمويل العقاري. تكاليف الاقتراض لا تزال باهظة بالنسبة للكثيرين، في حين أن ربحية البنوك الصينية تتآكل، مما يحد من قدرتها على خفض أسعار الفائدة بشكل كبير.
وشهد هامش صافي الفائدة للبنوك التجارية انخفاضًا إلى 1.42٪ في نهاية سبتمبر، وهو أقل من المستوى الذي يعتبر ضروريًا للحفاظ على ربحية معقولة.
خطوات مستقبلية وتحديات محتملة
لم تصدر وزارة الإسكان والتنمية الحضرية والريفية أي تعليق رسمي بشأن هذه المقترحات حتى الآن. ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى أن الحكومة الصينية تدرك خطورة الوضع وتسعى جاهدة لإيجاد حلول فعالة لمعالجة أزمة العقارات. من المتوقع أن يتم الإعلان عن تفاصيل هذه الإجراءات الجديدة وتوقيت تنفيذها في الأشهر المقبلة.
يبقى التحدي الرئيسي هو إيجاد توازن بين تحفيز الطلب على المساكن والحد من المخاطر المالية التي تواجه القطاع العقاري. وسيكون من الضروري مراقبة كيفية استجابة السوق لهذه الإجراءات الجديدة، وتقييم مدى فعاليتها في تحقيق الاستقرار المطلوب في سوق العقارات الصيني.
