على مدى السنوات الماضية، تحولت موضات الطعام من ظاهرة اجتماعية إلى قوة اقتصادية ضخمة تُحرّك سلاسل التوريد العالمية وتُغيّر أنماط الإنتاج الزراعي. ومع كل موجة غذائية جديدة، من التوست بالأفوكادو إلى اللاتيه بالماتشا، يتنافس المستهلكون على منتجات تُقدّم كأنها صحية وصديقة للبيئة. لكن هذه موضات الطعام، التي تبدو عابرة، تترك وراءها آثاراً دائمة على المناخ والاقتصاد، وتكشف عن تكلفة بيئية ومناخية كبيرة.

موضات الطعام وتأثيرها على الأمن الغذائي والموارد الطبيعية

باتت هذه الاتجاهات الغذائية، التي ازدهرت بفعل وسائل التواصل وسلاسل المقاهي العالمية، تُسهم في تسريع إزالة الغابات، وتفاقم ندرة المياه، وارتفاع الانبعاثات. يظهر هذا واضحاً في زيادة الطلب على سلع غذائية معينة، مما يؤدي إلى ضغوط اقتصادية على الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء. ويعود ذلك إلى أن إنتاج هذه المواد غالبًا ما يكون مكثفًا من حيث الموارد، ويؤثر بشكل كبير على البيئة.

الأفوكادو.. من رمز الرفاهية الصحية إلى أزمة مياه حادة

في المكسيك وتشيلي، تحوّل الأفوكادو إلى «ذهب أخضر» يستهلك نحو 320 لتراً من المياه للحبة الواحدة، ما أدى إلى استنزاف موارد المياه وتوسع الزراعة غير القانونية وحتى تضخّم نفوذ جماعات إجرامية مرتبطة بالسوق العالمية. مع ارتفاع الطلب، تواجه المجتمعات المحلية منافسة حادة على المياه العذبة، بينما تتراجع مساحات الغابات. وأشارت دراسات حديثة إلى أن زراعة الأفوكادو تساهم في الجفاف المتزايد في بعض المناطق.

الفستق.. محصول فاخر يبتلع موارد المياه

يتكرر المشهد ذاته مع الفستق الذي أصبح محوراً لمنتجات الشوكولاتة الفاخرة. ورغم ترويجه كمحصول يتحمل الحرارة، يحتاج إنتاج كيلوغرام واحد منه إلى نحو عشرة آلاف لتر من المياه. تدفع دول مثل إسبانيا وإيران الثمن عبر تراجع مخزون المياه وتوسع الزراعة الأحادية التي تُقلّص التنوع الحيوي، مما يؤثر على الاستدامة الزراعية.

الماتشا.. اتجاه عالمي يرهق الإنتاج الياباني

أما الماتشا، التي تحولت من عنصر ثقافي ياباني إلى ظاهرة عالمية، فقد قفزت واردات ألمانيا منها في 2024 بنسبة 240 بالمئة لتصل إلى 240 طناً. يرفع هذا الطلب المتسارع الأسعار ويضغط على المزارعين الصغار، في وقت تستهلك فيه عملية التصنيع والطحن كميات كبيرة من الطاقة، ما يزيد من بصمتها الكربونية. ويُعد الحفاظ على جودة الماتشا اليابانية تحديًا كبيرًا في ظل هذه الزيادة.

الكينوا.. ضحية شهرتها العالمية

في أميركا الجنوبية، انقلبت طفرة الكينوا على المجتمعات المحلية. فمع تضاعف الطلب العالمي بعد 2013، ارتفعت الأسعار إلى حد جعل سكان بوليفيا والبيرو عاجزين عن شراء محصولهم التقليدي. وكانت النتيجة تدهور التربة وتسارع الزحف الزراعي على أراضٍ هشة، مع تراجع تربية اللاما التي شكّلت تاريخياً جزءاً من دورة الإنتاج. وتشير التقارير إلى أن هذا التغير أثر سلبًا على الأمن الغذائي للمجتمعات المحلية.

حليب اللوز.. البديل النباتي الأكثر استنزافاً للمياه

وإذا انتقلنا إلى الحليب النباتي، فإن صناعة حليب اللوز تُعد من الأكثر استهلاكاً للمياه، إذ يحتاج إنتاج 100 مل منه إلى نحو 100 لتر من المياه. وفي كاليفورنيا، التي تنتج معظم لوز العالم، أدى الإفراط في الضخ إلى هبوط الأراضي الزراعية في وادي سان خواكين، ما خلق تحديات اقتصادية وبنيوية في قطاع مهم يعتمد عليه ملايين العمال. وقد ناشد العديد من الخبراء بتبني ممارسات زراعية أكثر استدامة.

القهوة.. فنجان يومي بثمن مائي ومناخي مرتفع

تتطلب زراعة القهوة 140 لترًا من المياه للفنجان الواحد، وسط تراجع الزراعة التقليدية المظلّلة لصالح الزراعة المكثفة المعتمدة على الأسمدة. كما يولد القطاع نفايات ضخمة، بينها مليارات الأكواب الورقية التي تُهدر ملايين الأشجار سنويًا.

تحديات مستمرة وحلول محتملة

تُظهر هذه الأمثلة أن موضات الطعام يمكن أن تحمل في طياتها تحديات بيئية واجتماعية كبيرة. من المهم أن ندرك أن الاستدامة في قطاع الأغذية تتطلب نهجًا شاملاً يراعي جميع جوانب الإنتاج والاستهلاك. ويمكن أن تشمل الحلول المحتملة تبني ممارسات زراعية أكثر كفاءة في استخدام المياه، وتشجيع التنوع الحيوي، ودعم المزارعين المحليين، وتعزيز الوعي لدى المستهلكين.

وفي المستقبل القريب، من المتوقع أن يزداد الضغط على الموارد الطبيعية مع استمرار نمو عدد السكان وزيادة الطلب على الغذاء. وتترقب الحكومات والمنظمات الدولية نتائج مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ المقرر عقده في نهاية العام الحالي، والذي من المتوقع أن يناقش بشكل مفصل دور قطاع الأغذية في مواجهة تغير المناخ. كما يراقب الخبراء عن كثب تطورات التكنولوجيا الزراعية، التي قد توفر حلولاً مبتكرة لزيادة الإنتاجية وتقليل الأثر البيئي.

شاركها.