يتزايد النقاش حول مستقبل الدولار الأمريكي كعملة عالمية مهيمنة، لكن خبراء بارزين مثل ليم تشاو كيات من صندوق الثروة السيادي السنغافوري “جي آي سي” (GIC) وجيني جونسون من “فرانكلين تمبلتون” يعتقدون أن المخاوف بشأن تراجع مكانته مبالغ فيها. تأتي هذه التصريحات في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحديات اقتصادية وسياسية متزايدة، مما يدفع المستثمرين والجهات الفاعلة المالية إلى إعادة تقييم محافظهم الاستثمارية وتنويعها.

خلال مشاركتها في مؤتمر بلومبرغ للاقتصاد الجديد الذي عُقد في سنغافورة، صرحت جونسون بأنها لا ترى أي تهديد وشيك لهيمنة الدولار، لكنها أقرت بوجود قلق متزايد بشأن المدة التي يمكن أن تستمر فيها هذه الهيمنة. وأضافت أن العديد من العوامل تؤثر في قرارات الاستثمار، بما في ذلك الموقع الجغرافي للمستثمر وطبيعة الأصول التي يفضلها، مما يجعل الابتعاد عن الدولار أمراً صعباً.

مكانة الدولار الأمريكي في ظل التحديات العالمية

تأتي هذه الآراء في ظل تزايد الضغوط على الدولار الأمريكي من عدة جهات. فقد أدى اتساع العجز في الميزانية الأمريكية إلى تساؤلات حول الاستدامة المالية للولايات المتحدة، بينما دفعت بعض الدول إلى البحث عن بدائل للدولار في التجارة والاستثمار لتقليل الاعتماد على السياسة النقدية الأمريكية. تصاعد هذا الاتجاه بشكل ملحوظ في عام 2022، بعد قيام إدارة بايدن باستخدام الدولار كأداة للعقوبات ضد روسيا.

على الرغم من هذه التحديات، يظل الدولار الأمريكي العملة الأكثر تداولاً في العالم، حيث يشكل أكثر من 88٪ من حجم تداول العملات الأجنبية اليومي، البالغ حوالي 9.6 تريليون دولار، وفقاً لبيانات بنك التسويات الدولية. يعزى ذلك إلى السيولة العالية للسوق الأمريكي ورأس المال المتوفر بلا قيود، فضلاً عن مكانة الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم.

في المقابل، يرى دافيد سيرا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “ألجيبريس إنفستمنتس” (Algebris Investments)، أن تخصيص جزء أكبر من الاستثمارات للذهب يعد خياراً منطقياً للمستثمرين في الوقت الحالي. ويعتبر الذهب ملاذاً آمناً تقليدياً، وقد شهد مكاسب كبيرة في الأسواق هذا العام.

تزايد الاهتمام بالعملات البديلة

تشير تقارير إلى أن المستثمرين في آسيا يقومون بتنويع محافظهم الاستثمارية بشكل متزايد. فاليري أوربان، الرئيسة التنفيذية لـ”يوروكلير” (Euroclear)، ذكرت أنها لاحظت “تنويعاً مطرداً” في توزيع الأصول بين المستثمرين، بمن فيهم أولئك الموجودون في آسيا. وأضافت أن هذا التنويع لا يعني بالضرورة أن الدولار الأمريكي يفقد مكانته بشكل كامل، بل يعكس رغبة المستثمرين في تقليل المخاطر وزيادة فرص النمو.

وبرزت أوروبا وأسواقها الرأسمالية كوجهة استثمارية جذابة للمؤسسات المالية الآسيوية، حيث تزداد التدفقات الاستثمارية داخل دول القارة. ويأتي هذا بالتزامن مع سعي بعض الدول إلى تعزيز استخدام عملاتها المحلية في التجارة والاستثمار.

داني يونغ من “دايمون” (Dymon) أشار إلى أن الإعلانات الأخيرة بشأن التعريفات الجمركية حفزت المستثمرين العالميين، وخاصة خارج الولايات المتحدة، على استثمار المزيد من الدولارات في أسواق أخرى. وأكد أن هذا التحول لا يعكس نهاية “الاستثنائية الأمريكية” أو موقفاً سلبياً تجاه الولايات المتحدة، بل هو استجابة لتعقيد السياسات المتزايد. ويعتبر يونغ أن التنويع هو أفضل طريقة للتحوط من هذه المخاطر.

مستقبل الدولار: التنويع والمراقبة الدقيقة

على الرغم من تصريحات المسؤولين في “جي آي سي” و”فرانكلين تمبلتون”، فإن هناك اعترافاً متزايداً بأن هيمنة الدولار الأمريكي ليست مضمونة إلى الأبد. تشير بوادر التغيير إلى أن التنويع في الأصول والعملات قد يصبح اتجاهاً مهيمناً في السنوات القادمة. يتوقع المراقبون أن يراقب المستثمرون عن كثب تطورات السياسة المالية الأمريكية، ومعدلات التضخم، وأداء الاقتصاد الأمريكي بشكل عام، لتقييم المخاطر والفرص المرتبطة بالاستثمار في الدولار الأمريكي. كما أن تطورات استخدام العملات الرقمية والعملات المركزية للبنوك قد تلعب دوراً في تشكيل مستقبل النظام المالي العالمي.

الخطوة التالية التي يجب مراقبتها هي قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي (الفيدرالي) بشأن أسعار الفائدة، والتي قد تؤثر بشكل كبير على قيمة الدولار الأمريكي. في غضون ذلك، من المتوقع أن يستمر النقاش حول مستقبل العملة العالمية في التفاعل مع التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية المستمرة.

شاركها.