استأنفت الأسواق المالية موجة بيع مكثفة، بعد فترة هدوء قصيرة أعقبت إعادة فتح الحكومة الأمريكية. دفعت تصريحات متشددة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، بالتزامن مع توقعات بصدور بيانات اقتصادية مهمة، المستثمرين إلى التخلص من الأصول الأكثر خطورة، بما في ذلك أسهم التكنولوجيا والعملات المشفرة. هذا التراجع يعكس مخاوف متزايدة بشأن التقييمات المرتفعة واحتمال استمرار أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول.

أظهرت الأسواق تقلبات حادة، حيث تزايدت الضغوط على الأسهم بعد فترة من التفاؤل المرتبط بانتهاء أزمة الإغلاق الحكومي. بدأ المستثمرون في التحول نحو الأسهم الدفاعية، التي تعتبر أقل حساسية للتغيرات الاقتصادية، في إشارة إلى تراجع الثقة في النمو المستقبلي.

تراجع أسعار الأسهم والعملات المشفرة

شهد مؤشر “إس آند بي 500” انخفاضاً ملحوظاً، مسجلاً ثالث تراجع أسبوعي بنسبة تزيد عن 1%، وهو معدل لم يشهده السوق منذ عدة أشهر. كما انخفضت قيمة البيتكوين إلى ما دون مستوى 100 ألف دولار، لتفقد أكثر من 20% من قيمتها منذ بداية شهر أكتوبر. هذا الانخفاض يعكس حالة عدم اليقين التي تسيطر على المستثمرين.

على الرغم من انتهاء الإغلاق الحكومي، إلا أن عودة العمل الطبيعي في الإدارات الحكومية قد تستغرق بعض الوقت. وفقاً لكبير المستشارين الاقتصاديين، كيفن هاسيت، فإن تقرير وظائف شهر أكتوبر سيصدر دون تضمين معدل البطالة بسبب التأخيرات الناجمة عن الإغلاق.

احتمالات خفض أسعار الفائدة تتضاءل

تراجع التفاؤل بشأن خفض أسعار الفائدة في ديسمبر، حيث يُسعّر المتداولون حالياً احتمالات متساوية تقريباً لحدوث ذلك. أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إلى أن الخفض ليس مضموناً ويعتمد على البيانات الاقتصادية القادمة. ويخشى البعض من أن نقص البيانات بسبب الإغلاق الحكومي قد يعزز الحجج الداعية إلى الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير.

أكد مسؤولون آخرون في الاحتياطي الفيدرالي على ضرورة الحذر في اتخاذ قرارات بشأن أسعار الفائدة. أوضح ألبرتو موسالم، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، أن التضخم لا يزال فوق الهدف، بينما شددت بيث هاماك، نظيرته في كليفلاند، على ضرورة الحفاظ على سياسة “مقيدة إلى حد ما”. كما أشار نيل كاشكاري، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في مينابوليس، إلى أنه لم يدعم الخفض الأخير وأنه لا يزال غير متأكد بشأن قرار ديسمبر.

تأثير البيانات المفقودة على الأسواق

أدى استئناف تدفق البيانات الاقتصادية بشكل تدريجي إلى استمرار حالة عدم اليقين في الأسواق. وفقاً لمحللين، قد تعتمد تحركات الأسعار بشكل أكبر على المعنويات والتمركزات بدلاً من البيانات الفعلية. يتساءل الكثيرون عما إذا كان التفاؤل الأخير في السوق قد بلغ ذروته.

يشير فؤاد رزاق زاده من “فوركس دوت كوم” إلى أن أسهم التكنولوجيا، بعد الارتفاع القوي منذ أبريل، تبدو مبالغاً في تقييمها وتفتقر إلى محفزات جديدة. كما لاحظ تحولاً ملحوظاً في السوق نحو الأسهم الدفاعية والقائمة على القيمة، مما يشير إلى تراجع شهية المخاطرة.

ومع اقتراب نهاية موسم الأرباح، يرى المستثمرون فرصة لجني الأرباح. يعتبر مايكل أورورك من “جونز تريدينغ” أن هذا التوجه طبيعي، بينما يرى كريس غريساني من “إم إيه آي كابيتال مانجمنت” أنه قد يكون “دورانًا صحيًا” في السوق.

التحول نحو القطاعات المقومة بشكل معقول

يشير بول تيكو من “كالاموس إنفستمنتس” إلى أن الأسهم حققت مكاسب كبيرة منذ أبريل، وأن التراجع الحالي قد يكون التصحيح الذي كان متوقعاً في أكتوبر. ويخطط لاستغلال أي ضعف في السوق لبناء مراكز استراتيجية طويلة الأجل. هذا التحول يعكس رغبة المستثمرين في إعادة تقييم المخاطر والبحث عن فرص استثمارية أكثر استدامة.

يرى ديفيد ميلر من “كاتاليست فاندز” أن المستثمرين يقومون بتحويل الأموال من أسهم التكنولوجيا العملاقة نحو قطاعات مقومة بشكل معقول مثل الصناعة والخدمات المالية والطاقة والرعاية الصحية. ويعتقد أن هذا التحول يعكس توقعات بتباطؤ النمو الاقتصادي واستمرار التضخم.

أظهرت تحليلات من “بلومبرغ إنتليجنس” أن قطاع التكنولوجيا قد وصل إلى مستويات تقييم مرتفعة نسبياً. من الأسهم إلى القطاعات الأخرى، يزداد البحث عن القيمة والثبات في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.

على الرغم من المخاوف بشأن ارتفاع الإنفاق الممول بالديون، تشير كارول شليف من “بي أم أو برايفت ويلث” إلى أن الميزانيات العمومية لشركات الحوسبة السحابية الكبرى لا تزال قوية نسبياً. وتعتقد أن قصة الذكاء الاصطناعي لا تزال في مراحلها الأولى وأن هناك مجالاً لمزيد من النمو.

توقعات مستقبلية واستمرار التقلبات

يتوقع خبراء استراتيجيون في “جيه بي مورغان تشيس آند كو” أن الأسواق قد تشهد ارتفاعاً تدريجياً بحلول نهاية العام، مدفوعاً بسعي صناديق التحوط للتعويض عن الخسائر. ومع ذلك، يحذرون من أن التقلبات قد تستمر بسبب حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق.

تشير التقديرات إلى أن إعادة فتح الحكومة لن تؤدي إلى عودة تدفق البيانات فوراً. سيستغرق الأمر أسابيع لتجميع ومعالجة والتحقق من البيانات المتراكمة. هذا التأخير سيجعل من الصعب على الاحتياطي الفيدرالي اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن أسعار الفائدة.

في الختام، تواجه الأسواق المالية فترة من عدم اليقين والتقلبات. من المتوقع أن يستمر هذا الوضع حتى يتم استعادة تدفق البيانات الاقتصادية بشكل كامل وتقييم تأثيره على النمو والتضخم. سيراقب المستثمرون عن كثب بيانات التضخم والوظائف القادمة، بالإضافة إلى تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، لاتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.

شاركها.