هل يمكن أن يصبح للدول سفراء ودبلوماسيون بالذكاء الاصطناعي؟ الإجابة: نعم – كما يكشف أستاذ الدبلوماسية الرقمية في جامعة أكسفورد البروفيسور كورنيليو بيولا، مؤكدا أنَّ هذا “الخيال العلمي” كما يبدو في ظاهره بات واقعا ملموسا في بعض القنصليات التي تستخدم تقنية “الهولوجرام” لتقديم الخدمات للمراجعين بدلا من الموظفين.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد في تداخل عالم الخوارزميات في عوالم الدبلوماسية، إذ مع توسع وسائل التواصل الاجتماعي وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أخذت الدبلوماسية التقليدية تنصهر في هذا العالم الرقمي، حتى خرج للنور مولود جديد بات يعرف بالدبلوماسية الرقمية، وظهر مصطلح “سفير التكنولوجيا” الذي يحمل صاحبه مهمات اقتصادية للترويج للاستثمار في بلاده.
هذه الدبلوماسية الجديدة تمكن دول العالم من استعراض ثقافاتها، وفرصها الاقتصادية، وتعزز علاقاتها مع الشركاء العالميين بطريقة لم تكن ممكنة قبل سنوات قليلة، إذ توظف التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في ممارسة العلاقات الدبلوماسية وإدارة الشؤون الدولية.
بينما يمثل السفير الدبلوماسي لدولة ما بلده، ويعزز سفراء التجارة الفرص التجارية، فإن “سفير التكنولوجيا” يساعد على التواصل المباشر مع الشركات الكبرى المتخصصة لإقناعها بالاستثمار في الدولة وبناء علاقات طويلة الأمد معها، بحسب ما قاله لـ”الاقتصادية” أستاذ الدبلوماسية الرقمية في جامعة أكسفورد البروفيسور كورنيليو بيولا.
ويرى بيولا أن صعود الذكاء الاصطناعي في المشهد المرحلة الثالثة الأكثر تأثيرا، فلم يعد يقتصر الأمر على التواصل وإدارة الأزمات، بل يتغلغل أعمق في صميم النشاط الدبلوماسي: “المفاوضات الدولية” وفهم مواقف الأطراف الأخرى بشكل أعمق، فبينما كان تأثير وسائل التواصل هامشيا على المفاوضات، فإن للذكاء الاصطناعي تأثيرا أكثر جدية في المستوى الدولي، والقيمة الأساسية له دعم عملية اتخاذ القرارات.
إمكانية تطور الذكاء الاصطناعي تتجاوز مجرد التسهيل، ليصبح هناك “وكلاء دبلوماسيون” يعملون بالذكاء الاصطناعي، ومنها ما بدأ بالفعل في الشؤون القنصلية، حيث ظهرت هولوجرامات ذكية تقدم خدمات قنصلية بدلاً من الموظفين، حسب ما أوضح “بيولا”.
وظهرت الدبلوماسية الرقمية بشكل ملحوظ في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث بدأت في 2007 مع إطلاق أول مدونة رسمية من قبل وزارة الخارجية البريطانية وتأسيس سفارة افتراضية، أعقبها استخدام التكنولوجيا الرقمية كأداة للتواصل والتفاعل في العلاقات الدولية.
قال لـ”الاقتصادية” “بيولا ” خلال الندوة العالمية لمنظمي الاتصالات التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض أخيرا: إن الدبلوماسية الرقمية مرت بمراحل عدة، أول مرحلة كانت إيجابية عند صعود وسائل التواصل الاجتماعي، وتمكين الدول من التواصل مع الجمهور، وإدارة الأزمات بشكل أسرع، ولكن مع مرور الوقت، ظهر الجانب السلبي، مثل انتشار الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة، ما جعل الدول مجبرة على التفاعل الفوري والرد بشكل أسرع من السابق.
أتت المرحلة الثانية خلال جائحة كورونا، واعتمدت على منصات افتراضية مثل Zoom وTeams، ما سهل الاجتماعات الدولية وقلص وقت التحضير والتنسيق بشكل كبير، وفق ما ذكر بيولا.
وأكد “بيولا” أن التوقعات تشير إلى أن الخدمات الرقمية قريبًا ستتجاوز في قيمتها حجم التجارة العالمية في السلع، والسلعة الأساسية في الخدمات الرقمية هي البيانات.
تُشير التقديرات إلى أن 70% من القيمة الجديدة التي ستُخلق في الاقتصاد خلال العقد المقبل، ستعتمد على نماذج الأعمال الرقمية المُمكّنة من خلال المنصات، وفقا لـ”World Economic Forum”.
تأتي فاعلية الدبلوماسية الرقمية في الترويج لمجالات مثل التجارة والسياحة وفق ما ذكر”بيولا” ليس فقط عبر وسائل التواصل، بل أيضًا عبر “الميتافيرس”، وهو مجال تستثمر فيه السعودية ودول أخرى في الشرق الأوسط ، يتيح للآخرين رؤية المدن والثقافة والمعالم التاريخية عبر مغامرات رقمية، ما يزيد رغبتهم في زيارتها على أرض الواقع، ومع صعود تقنيات مثل الواقع المعزز والنظارات الذكية، نرى فرصًا جديدة مفيدة للتجارة والسياحة.
أسهمت تدفقات البيانات الإلكترونية عبر الحدود بنحو 2.8 تريليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2023، متجاوزةً بذلك التجارة التقليدية في السلع، ومن المتوقع أن تصل هذه القيمة إلى 11 تريليون دولار في 2025، وفقا لـ”نيو أمريكا”.
يستشرف “بيولا” المستقبل ويرى أن “التقنية الكمية” قد تصبح العنصر المحوري في مستقبل الدبلوماسية الرقمية.
“التقنية الكمية” تقنيات تعتمد على خصائص الجسيمات الدقيقة لإجراء حوسبة أسرع، اتصالات آمنة، وحماية البيانات الحساسة. وبفضل هذه القدرات، يمكن للدول استخدام التقنية الكمية لتعزيز التفاوض الدولي، تحليل المعلومات، وتأمين البنية الرقمية بشكل لم يكن ممكنًا مع التقنيات التقليدية.