في خطوة بدت مخالفة للتوقعات السائدة في وول ستريت، قرر تحالف “أوبك+” زيادة إنتاجه النفطي بمقدار 137 ألف برميل يومياً بدءاً من أكتوبر، رغم تحذيرات من مؤسسات مالية كبرى مثل “غولدمان ساكس” و”جيه بي مورغان” من خطر حدوث فائض في المعروض.

لكن السوق لم تتفاعل سلباً، بل ارتفعت أسعار النفط الخام، في إشارة إلى أن السوق ترى في القرار استجابة واقعية للطلب الحالي، لا مغامرة غير محسوبة، ما يشير إلى أن المتداولين انحازوا إلى المنتجين، لا إلى النماذج التحليلية. 

الأسعار حتى تداولات جلسة الإثنين تكشف حالة “باكورديشين” واضحة في الفروق السعرية بين العقود المستقبلية أو فروق الأسعار الزمنية (Time Spread)، ويُستدل على ذلك من خلال بيانات بورصة “إنتركونتيننتال” (ICE) ليوم الإثنين، فأسعار خام برنت تهبط تدريجياً من 66.14 دولار للبرميل للعقود الآجلة تسليم نوفمبر 2025 لتصل إلى 65.27 دولار لعقود فبراير 2026.

هذا الانخفاض التدريجي في الأسعار كلما ابتعدنا زمنياً يعكس قلق السوق من نقص الإمدادات في الأجل القريب، ويشي بأن السوق ترى في القرار الأخير للتحالف النفطي استجابة واقعية للطلب الحالي، وليس مخاطرة غير محسوبة.

الصين تخزن والهند تستهلك 
رغم تباطؤ الاقتصاد الصيني، الذي يُعد عاملاً ضاغطاً على توقعات الطلب، فإن الصين تواصل تخزين النفط الرخيص في احتياطاتها الاستراتيجية بوتيرة حثيثة. لكن هذا التخزين لا يظهر في أرقام الاستهلاك الفعلي، ما يصعب على المحللين كشف الصورة الحقيقية.

في المقابل، تبرز الهند كلاعب رئيسي في معادلة الطلب العالمي، حيث يُتوقع أن تمثل الهند نحو 25% من نمو الطلب العالمي هذا العام، متجاوزة الصين لأول مرة منذ عقود،  هذا النمو المدفوع بتوسع حضري وزيادة في استهلاك وقود النقل والطهي، يمنح الأسواق سبباً وجيهاً لتجاهل التحذيرات من فائض الإمدادات. 

مرونة “أوبك+” في إدارة العرض 
الزيادة التي أقرها “أوبك+” لا تمثل إفراجاً كاملاً عن الكميات المخفضة طوعاً والمجمدة سابقاً، بل جزءاً بسيطاً منها، وربما تكون جس نبض، ضمن إستراتيجية تتضمن حق التراجع عن الزيادة إذا اقتضت الظروف. وهذه المرونة هي ما يمنح “أوبك+” اليد العليا لضبط ضخ النفط دون إغراق السوق، وتحييد تقلبات الطلب.

هل يستمر الانحياز للمنتجين؟ 
مع اقتراب نهاية موسم القيادة في الولايات المتحدة (هي الفترة الصيفية التي تشهد ذروة استهلاك البنزين بفعل السفر والعطلات) وتزايد الحديث عن تباطؤ اقتصادي عالمي، قد يعاد اختبار التوازن. ويبقى السؤال مفتوحاً: هل يستمر انحياز السوق للمنتجين؟

الإجابة ستعتمد على قدرة “أوبك+” على الحفاظ على التوازن، وعلى ما إذا كان الطلب الهندي قادراً على تعويض التباطؤ الصيني، في وقت تتغير معادلات الطاقة العالمية بوتيرة متسارعة. 

شاركها.