بين فكي الرحى
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
كل يوم يتأكد لمن يتابع الشأن العام في إسرائيل، أن بنيامين نتنياهو ليس هو صاحب الكلمة في الحكومة التي يرأسها في تل أبيب، وأن الكلمة في يد وزيرين في هذه الحكومة هما: إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية .
فالاثنان يشتركان في التحالف الذي يحكم نتنياهو باسمه، وبدونهما أو بدون أحدهما تسقط الحكومة على الفور، وتذهب اسرائيل الى انتخابات جديدة، ويصبح مصير نتنياهو في مهب الريح.
في الانتخابات البرلمانية الماضية لم تحصل كتلة الليكود التي يرأسها نتنياهو على الأغلبية التي تمكنها من الحكم وحدها، وكان لا بد من تحالف أحزاب صغرى معها لتأمين الحصول على نصف عدد مقاعد الكنيست زائد مقعد واحد، وهذا ما حدث عندما تحالف الحزبان اللذان يرأسهما بن غير وسموتريتش مع الليكود .
ولأن هذه هي صيغة التحالف الحاكم في إسرائيل منذ بدء الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، ولأن انسحاب حزب بن غفير أو حزب سموتريتش يعني سقوط الحكومة، ولأن نتنياهو يريد لها الاستمرار بأي طريقة وبأي ثمن، فإنهما معاً يستغلان هذه الرغبة المحمومة عنده، ويهددانه دائماً بالخروج من حكومته، فلا يملك هو إلا أن ينصاع لهما فيما يطلبانه طول الوقت.
آخر ما قاله بن غفير قبل أيام، ونقلته عنه القناة ١٢ الإسرائيلية، أن حكومة نتنياهو ستكون قد استسلمت إذا وافقت على وقف الحرب على غزة في الجنوب، أو حتى على حزب الله في الشمال، وأنه لن يشارك في حكومة ترفع الراية البيضاء.
هذا ليس كلاماً جديداً، لأن وزير الأمن القومي سبق أن قاله في مناسبات مختلفة وبعبارات مختلفة أيضاً، ولكن الجديد فيه أنه جاء متزامناً مع تصريح صدر عن دانييل هاجاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، قال فيه إن حماس فكرة في قلوب الجماهير، وإن القضاء عليها وهم كبير بقدر ما هو ذر للرماد في عيون الإسرائيليين.
ولأن هذا الكلام صادر عن الجيش لا عن جهة أخرى، ولأنه يمكن أن يدفع رئيس الحكومة إلى التفكير في وقف الحرب، فإن بن غفير قد استبق ذلك وأراد أن يقطع الطريق على أي تفكير في هذا الاتجاه من جانب نتنياهو.
وهكذا يكتشف رئيس هذه الحكومة يوماً بعد يوم أنه واقع بين فكي رحى، وأن تصريح المتحدث أمامه بينما تحذير بن غفير وراءه، ولذلك يواصل حرباً أفقدت إسرائيل كل سمعة دولية يمكن أن تكون قد اكتسبتها من قبل، وأحيت القضية في فلسطين كما لم يحدث منذ قيام الدولة العبرية في ١٥ مايو ١٩٤٨ .
والمشكلة الأكبر أن وزيراً مثل بن غفير لا يكتفي بتوريط الحكومة التي يشارك فيها في الحرب على غزة فقط، ولكنه يدعو الى أن تكون حرباً على جبهتين: واحدة في غزة في الجنوب، وأخرى في جنوب لبنان في الشمال.
وينسى هذا الوزير أن العنف لا يلد إلا عنفاً، وأن أهل غزة لن يسلموا ولو دامت الحرب أعواماً، وأن الحل الوحيد هو دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية.. هذا ما تقول به التجربة، وهذا ما بدأ العالم يدركه مؤخراً.
لكن على العالم الذي أدرك ذلك أن يترجمه الى واقع، وعليه ألا يكتفي بالمتابعة من بعيد، أو إصدار بيانات الشجب والإدانة.. لأنه ما أكثر الكلام منذ بدء الحرب وما أقل العمل.