منوعات

تساؤلات حول غياب مصري ومعرض استعادي بتطوان المتوسطي الــ٢٩

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

«لا شك أنه يتعين علينا أن نبحث (نعيد البحث) عن صور جديدة في الألبومات الخاصة والدواليب والأدراج بل في صناديق الأحذية، وأيضا ثنايا الذاكرة هذه البؤر التي تتجمع فيها ذكريات يتعين استعادتها وترميمها وإنقاذها، بعيدا كي لا تسقط ضحية لفقدان الذاكرة المقصود أم لا من خلال «نسيان ينسى أنه نسيان» حسب العبارة البليغة للشاعر والمفكر عبد الوهاب المؤدب (١٩٤٦- ٢٠١٤ ) .»

هكذا يٌقدم المنظمون لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط – في دورته التاسعة والعشرين الممتدة بين ٢٧ أبريل إلي ٤ مايو الجاري – للمعرض الذي يكشف عن تاريخ عريق للمهرجان المتوسطي، لكن المفارقة المثيرة للدهشة أن العبارة السابقة للمفكر عبد الوهاب المؤدب و«الواردة في مداخلته ضمن ندوة في موضوع (الهجرة والسينما) خلال إحدى دورات المهرجان» وفق توثيق مكتوب تُضيف وصفاً من الذاكرة غير موثق بدليل ملموس حيث يُضيف المنظمون: «لم نتوفر هنا على صورة من صور الندوة التي يبدو فيها هذا الكاتب العاشق للسينما مستغرقاً في تأمل الطريقة التي يربط بها السينمائيون الإيطاليون- الأمريكيون، فرنسيس فورد كوبولا ومارتن سكورسيزي وميكايل سيمينو بين رغبة حقيقية في الانتماء – الانتماءات، والانغراس – الانغراسات، وشعور لا يقل قوة «بنفي داخلي» – هذه العبارة المقتبسة عن الشاعر الصوف الفارسي السهر وردي.»

هنا الدهشة مصدرها قوة هذه الذاكرة في وصف لحظة تعود لسنوات لم ينجح البيان في استعادتها بدقة وترك مكانا فارغاً، الدهشة مصدرها الأساسي هو مساءلة لقوة هذه الذاكرة؟ ولهذه الثقة التامة في عدم تلونها أو تأثرها بعوامل الزمن؟ والسؤال الأهم: من هو صاحب هذه الذاكرة؟ إنه أمر يجب توثيقه وشرحه طالما أن المعرض هو في الأساس توثيقي.

الدهشة ذاتها تتواصل عبر إضافة آخرى للبيان – وهو أحد ثلاثة آخرين مصاحبين للمعرض -: «لا نتوفر أيضا على صور سهرة برفقة «أصدقاء السينما» في استوديو بزنقة الزاوية، وهو عبارة عن دار صغيرة حولها الفنانة التشكيلي – صديق المهرجان والذي يُعد لافتاته – عبد الكريم الوزاني إلى ورشة لأعماله في تلك الفترة، في تلك الليلة أسر لنا عبد الوهاب المؤدب صاحب كتاب «المغرب: مفهوم تشكيلي» أنه يحس كما لو أنه يحلق في السماء من فرط السعادة.»

هذا المعرض الأرشيف المهم – رغم ملاحظتنا السابقة – يكشف كم كان التواجد المصري راسخا وقويا خلال دوراته فهناك صوراً ليوسف شاهين – داوود عبد السيد – صلاح أبو سيف – نور الشريف – فريد شوقي – يسري نصرالله – محمود حميدة – أنيس منصور – عمرو واكد – وزير الثقافة فاروق حسني – سيف عبد الرحمن – خالد زكي وآخرين من نجوم ونجمات السينما المصرية.

رغم ما سبق، ورغم الحضور الدائم للسينما المصرية في تطوان العريق، لكن الدورتين الأخيرتين الــ ٢٨، والــ٢٩ ، شهدتا غياباً ملحوظاً. صحيح أنه في الدورة السابقة تم تكريم غادة عادل، وشاركت هالة خليل في التحكيم، بينما تشارك هذا العام المخرجة كاملة أبو ذكري في تحكيم محترف تطوان لأيام الصناعة السينمائية والذي يشهد دورته الثانية هذا العام بعد النجاح الكبير المشهود له في الدورة السابقة. ورغم مشاركة في الإنتاج بفيلم «وداعاً جولياً» للمخرج محمد كردفان ضمن قسم هامشي بعنوان «خفقة قلب»، لكنه في الأساس فيلم سوداني الهوى والهوية. إذاً، ومع ذلك، تغيب الأفلام المصرية عن مسابقة الأفلام الطويلة، وهذا أمر لا يُلام عليه منظمو المهرجان – لأنهم يطمحون إلي خيارات فنية ذات مستو، لكنه – هذا الغياب المتوالي- يُثير علامات الاستفهام حول ما يحدث للسينما – خصوصاً المستقلة والجيدة فنياً – في مصر؟ هل في الوقت الذي تصعد فيه سينما مغربية وتونسية وسودانية ويتم عرضهم في كان ويحصدوا الجوائز تتراجع وتختفي السينما المصرية؟ هل الرقابة تلعب دوراً في منع إنتاج السينما الجيدة؟ هل المبدعين استسلموا لمعوقات الرقابة ومحاذيرها؟ إلي أين تسير السينما الفنية في مصر؟ هل سنشهد فترة هجرة للعقول السينمائية المصرية كما حدث في فترات سابقة؟

على صعيد آخر، من بين أحد أجمل الأفلام التي شاهدتها ضمن المسابقة الطويلة فيلم من الإنتاج الإيطالي البلجيكي الأسباني المشترك بعنوان: «أنا القبطان» لماتيو جاروني إنتاج ٢٠٢٣. يتناول قصة مهاجرين سنغاليين يخوضان رحلة وعرة وخطرة عبر دروب أفريقيا تقودهما إلى إيطاليا حيث يجد البطل المراهق نفسه في دوامة قاتلة منذ مغادرته دكار، في محاولة لانقاذ أخته وابن عمه. إذ يسقط ضحية الفساد والرشوة وأمور تشبه البيع في سوق النخاسة، إضافة إلي قسوة الطبيعة، لن يهتم بما يجابهه من آلام تقترب به من حافة الموت، إذ يصبح كل ما يشغل تفكيره مساعدة أسرته بالحصول على دخل وعمل في أوروبا. تجربة مؤلمة، مغايرة ومختلفة عن كل ما سبق من أفلام صنعت عن الهجرة غير الشرعية. بطل الفيلم يُمثل بكل مسام جسده، يمتلك عينان معبرتان بقوة ساحرة، يجعل المتلقي يصدق كل نفس وكل ألم وكل ومضة من أفكاره.

هناك أيضاً أحد عشر فيلما آخرين بالمسابقة الطويلة أغلبهم يتناولون قضايا مختلفة للنساء وعن النساء حتي أنه يمكن وصفها بأن دورة استثنائية من تطوان المتوسطي عن هوية المرأة وتاريخها مع المجتمع البطريركي، إضافة إلي فيلم مهم من المخرج الفلسطيني مؤيد العليان بعنوان «بيت في القدس»، والذي عرض ليلة أمس وجعل أغلب الحضور يبكي مطولاً خصوصاً مع مشاهد الختام. فيلم شديد البساطة والرقة نرى أغلبه من وجهة نظر طفلة يهودية تسكن في بيت عائلة فلسطينية من العائلات التي تم اخراجهم عام ١٩٤٨. زاوية جديدة للتناول بفيلم محمل بالألغام في كل لقطة، وبين ثنايا التكوين البصري له، فتحية تقدير لمخرجه والذي يستحق إحدى جوائز المهرجان، وإن كانت المنافسة شرسة هذا العام لأنه حتي الآن أغلب الأفلام تتمتع بلغة سينمائية وتشكيلية رائعة، إضافة إلي أن أغلب الأفلام تتميز سيناريوهاتها بالقوة والبناء المتقن للشخصيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى