المشروع القومي للثقافة (٢)
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
تناول الجزء الأول في مناقشة بناء وصياغة المشروع القومي للثقافة أهمية تعليم أفراد الشعب لغتهم القومية. فاللغة ليست مجرد أداة للتواصل، وإنما هي وجدان الشعب وروحه وحركته، وتعد من أهم مقومات بناء المشروع القومي للثقافة.
أما فيما يتعلق بالمقوم الثاني في مشروعنا القومي فهو بناء إنسان الحضارة. فالإنسان هو الوعاء الذي يحوي اللغة ويطورها ويحافظ عليها. وليس أي إنسان، بل إنسان بمواصفات وخصائص محددة تمكنه من تطوير الثقافة وبناء حضارة على أسس فكرية واضحة. ومن أجل هذا الهدف لابد من تأهيل وتمكين هذا الإنسان ليتعلم وليؤدي وظيفته التاريخية والاجتماعية على النحو السليم. وهو الأمر الذي يتطلب التفكير في ماهية النموذج التربوي المنشود لتكوين انسان الحضارة. وفي هذا الصدد تتعدد الآراء بين هذا المنهج أو ذاك. ولكن، حتى يمكن بناء انسان الحضارة من الأهمية بمكان الاستفادة من كافة المناهج والمشارب بعيداً عن إقصاء أي منهج أو اقتراب بسبب وجود تحيزات.
ونظر العديد من المفكرين والفلاسفة في المشرق والمغرب إلى الإنسان باعتباره المحور الذي يدور عليه الواقع منه المبدأ وإليه ينتهي وأنه مقياس الحضارة، فصلاح الحضارة وفسادها يقاسان بمدى النفع أو الإضرار به، كما أن له إرادة حرة اختص بها مقارنة بالكائنات الأخرى. تلك الإرادة توجهه نحو تعظيم سعادته ومنفعته في إطار المجتمع الذي يعيش فيه. فإنسان الحضارة غير منفصل عن مجتمعه بل يحقق غاياته فيه مدفوعاً بفطرته وحاجته لهذا المجتمع.
كما أن إنسان الحضارة لا يستطيع بناء ثقافة بدون معالجة قضايا الجهل والجوع والمرض. لأنه من المستحيل الحديث عن حضارة أو مشروع قومي للثقافة في ظل وجود تلك الآفات. فالإنسان عنصر رئيسي في بناء المشروع الثقافي القومي الذي هو أحد مكونات حضارة أي مجتمع أو بلد.
وعليه، فإن الانشغال ببناء مشروع قومي للثقافة ومن ثم الحضارة لابد وأن ينشغل فيه بالفرد الإنسان، وكيف السبيل إلى بنائه؟ ذلك أن الحضارة من وجهة نظر وظيفية – كما يراها العديد من المفكرين والفلاسفة – هي مجموع الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح لمجتمع معين أن يقدم لكل فرد من أفراده، في كل مرحلة من مراحل حياته ووجوده، منذ الطفولة إلى الشيخوخة، وتمثل المساعدة الضرورية له في هذه الرحلة الإنسانية من التطور والنمو. فالمدرسة والجامعة والمعمل والمستشفى ونظام شبكة المواصلات والأمن في جميع صوره، واحترام إرادة وشخصية الفرد، تمثل جميعها أشكالا مختلفة للمساعدة في بناء الانسان والمجتمع المتحضِّر.
في الجزء الثالث سيتم مناقشة المؤسسات ومن بينها المجتمع كأحد مقومات بناء المشروع القومي للثقافة.