منوعات

في انتظار جودو الأمريكي

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

رغم أن ختام السباق الرئاسي الأمريكي لا يزال في الخامس من نوفمبر، ورغم أن بيننا وبينه سبعة أشهر، إلا أنه يملأ الدنيا ويشغل الناس.

وليس هذا إلا لأن تأثير الولايات المتحدة الأمريكية ممتد الى كل بلد في أنحاء العالم، سواء بفعل قوتها العسكرية التي تظل الأكبر بالقياس على أي قوة عسكرية سواها، أو بفعل اقتصادها الذي لا يزال الأقوى بين اقتصادات شتى الدول.

وليس بيننا مَنْ لا يتابع هذا السجال الانتخابي الذي لا يتوقف بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، بوصفه مرشحاً رئاسياً للحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، وبين الرئيس السابق دونالد ترمب، مرشح الحزب الجمهوري.. فالسجال لا يتوقف بين الرجلين، ولا تخلو وسيلة إعلامية مما يدور بينهما، ولا يجد كل طرف منهما فرصة للنيل من الطرف الآخر إلا وينتهزها كاملة.

ولكن هذا ليس هو الموضوع بالنسبة لشريحة لا بأس بها من قطاعات الرأي العام، سواء كان ذلك داخل الولايات المتحدة أو كان خارجها.

الموضوع أصبح في نظر هذه الشريحة غير الصغيرة، هو مدى صلاحية المرشحين الإثنين، لا واحد منهما فقط، لأن يفوز ويصبح على رأس القوة الأكبر في أنحاء الأرض.. وهذا ما كان يقال في البداية على استحياء، ثم بدأ يقال على الملأ وفي العلن، وبدأت استطلاعات الرأي تكشف عنه صراحةً، ولم يعد سراً أن نسبة كبيرة من الناخبين الأمريكيين صارت تتمنى لو أن مرشحاً ثالثاً يخرج على البلاد فجأة، فينقذ الناس من عبث سياسي كثير يتابعونه مضطرين كل يوم.

عبث سياسي كبير لأن المرشح الأول إذا لم يخنه جسده في الحركة، خانه لسانه في زلات عديدة لا يكاد ينجو من واحدة منها حتى يسقط في الثانية.. وإذا قلنا أن القوة الجسدية ليست هي المعيار ولا المقياس، وأن فرانكلين روزفلت كان يحكم البلاد في زمن الحرب العالمية الثانية من فوق كرسي متحرك، وأنه كان يفعل ذلك بكفاءة عالية، فوجئنا ونحن نتابع بأن ذاكرة بايدن لا تكاد تسعفه، وأنها تخذله في أوقات كثيرة، وأن سنه المتقدمة نسبياً صارت محل كلام وحديث.

وعندما ذهب يلقي خطاب حالة الاتحاد قبل أسبوعين، تعمد أن يطيل هذا الخطاب السنوي، وتعمد أن يلقيه واقفاً على مدى أكثر من ساعة، فبدا وكأنه يريد أن يقول أن خطابه هو خطاب عن حالة الرئيس بمثل ما هو عن حالة الاتحاد.

والمرشح الآخر لا يختلف فيما يثيره كل يوم من مشكلات، كلما ألقى خطاباً هنا أو هناك، فهو مرة يقول إن الناخب اليهودي الذي يصوت للمرشح الديمقراطي سيكون كارهاً لدينه ولإسرائيل.. وهذا بالطبع حديث انتخابي غير مسبوق.. وهو مرةً ثانية يشكك في مدى نزاهة الانتخابات حين تجري في نوڤمبر، وكأنه يريد أن يكرر ما حدث من جانب أنصاره عندما تسلقوا جدار الكونجرس في السادس من يناير ٢٠٢١ واقتحموه، فصار مشهداً من يومها لا يمكن نسيانه في بلاد العم سام ولا في خارجها .

هذا ليس سوى عينة مما تابعناه ونتابعه، ولو أن أحداً أحصى ما صدر عنهما منذ بدأت حملتهما الانتخابية، لأصبح على يقين من أن هذين المرشحين الإثنين ، لا يصلحان لتمثيل بلد بحجم وأهمية الولايات المتحدة ، وأنها والعالم من قبلها في حاجة الى مرشح يكون على قدر ما ينتظره وينتظرها من تحديات في كل ركن من أركان العالم .

ولا معنى لهذا إلا أن جانباً لا بأس به من الأمريكيين، إنما يعيشون في انتظار أن يظهر مرشح بديل لهذين المرشحين، اللذين لا يبدو أنهما مُريحان لكثيرين من المواطنين، بل ولكثيرين ممن يتابعون الأحداث هناك من خارج الولايات المتحدة.

الأمريكيون غير الراضين عن أداء بايدن وترمب معاً يعيشون في انتظار مرشح بديل، وكأنهم هُم الذين قصدهم صمويل بيكيت وهو يكتب مسرحيته الشهيرة: في انتظار جودو .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى