خطط اليوم التالي
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
بعث الرئيس الفلسطيني محمود عباس رسالة الى أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، يدعو فيها الدول العربية إلى منع خطط اليوم التالي الإسرائيلية لقطاع غزة.
الرسالة سلمها السفير مهند العكلوك ، مندوب فلسطين في الجامعة ، إلى الأمين العام أبو الغيط ، وتصادف في اليوم نفسه أن نشرت صحيفة الواشنطون بوست الأمريكية مقالاً لواحد من كتابها وصف فيه خطط اليوم التالي بأنها غير ممكنة التطبيق.
وما قال به كاتب الصحيفة الأمريكية صحيح، ويعرف بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي طرح الخطط وراح يروّج لها، أنها غير ممكنة التطبيق، ومع ذلك ، فهو لم يتوقف عن الترويج لها ، وإنْ كان حديثه عنها قد بدأ ينحسر يوماً بعد يوم.
ولكن هذا كله لا ينفي أن للدول العربية التي يدعوها عباس في رسالته إلى منع الخطط دوراً لا بديل عن أن تقوم به ، كما أن الفلسطينيين الذين يتحدث عباس باسمهم لهم دور لا بد من القيام به ، وفي الحالتين لا يمكن أن ينوب طرف آخر عن الدول العربية في القيام بما يجب أن تقوم به ، ولا عن الفلسطينيين فيما يجب أن ينهضوا به.
لا بديل أمام الدول العربية ، وهي تستطيع أن تنتصر للقضية بجد إذا شاءت ، وليس أدل على ذلك إلا ما قال به نير بركات ، وزير الاقتصاد الإسرائيلي ، وهو يحضر قبل أيام مؤتمراً لمنظمة التجارة العالمية كان منعقداً في إحدى العواصم العربية.
قال الوزير الإسرائيلي كلاماً كثيراً ، ولكن أهم وربما أخطر ما قاله ، أن العلاقات الاقتصادية بين بلاده وبين الدول العربية لم تتأثر كثيراً بالحرب التي تخوضها اسرائيل على غزة .. وهذا كلام لا يكاد يصدقه أحد ولكنه حقيقة، وهو حقيقة لأنه جرى نشره ، ولم يكذبه أحد بعد النشر .
ولست أشير الى ما قاله الوزير الإسرائيلي على سبيل توجيه إتهام لهذه العاصمة من العواصم العربية أو تلك ، ولكني أشير إليه لهدف آخر تماماً هو التأكيد على أن لدى العرب ما يستطيعون التأثير به على تل أبيب ، وما يستطيعون به حملها على أن تحترم حق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية.
لدى العرب طبعاً أكثر من ورقة في هذا الإتجاه ، ولكن الورقة الأهم هي الورقة الإقتصادية ، لأنها تصل بتأثيرها الى حيث لا تصل أي ورقة أخرى ، ولأنها هي التي تؤلم الطرف الآخر أكثر مما سواها ، وهذا طبيعي لأن لغة الإقتصاد هي دائماً أقوى مما عداها من اللغات العملية التي يتحدثها العالم بين عواصمه.
وإذا كان عباس قد قرر تشكيل حكومة جديدة في رام الله قبل أن يبعث رسالته بساعات ، فهو قد بدا في هذه الخطوة مُسيراً أكثر منه مخيراً ، لأن تشكيل حكومة فلسطينية جديدة مطلب أمريكي غربي ، منذ أن بدأ الحديث عن اليوم التالي في قطاع غزة بعد الحرب.
والمعنى أن الفلسطينيين مدعوون الى اتخاذ خطوات أخرى فيما بينهم ، ومدعوون الى أن يبادروا بهذه الخطوات من تلقاء أنفسهم ، ومدعوون الى ألا ينتظروا حتى يتعرضوا بسببها للضغط السياسي من الولايات المتحدة ومن غيرها.
إنهم باختصار مدعوون الى أن يكون أمر القضية في أيديهم ، وليس في يدي أي طرف آخر ، والخطوات المطلوبة في هذا السبيل كثيرة ، وليس أولها تشكيل حكومة تكنوقراط تنهض بأعباء ما بعد الحرب ، ولا آخرها أن تكون الضفة وغزة يداً واحدة ، لا يدين ، وجسداً واحداً ، لا جسدين ، ولساناً واحداً ، لا لسانين إثنين.
إذا حدث هذا فسوف يكون اليوم التالي يوماً فلسطينياً ، ولن يكون يوماً اسرائيلياً كما يرغب نتنياهو ، ولا يوماً أمريكياً كما قد يفكر بايدن.