زيارة لها ما قبلها
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
ربما يكون علينا أن نلاحظ أن الرئيس التركي إردوغان ، كان في الإمارات قبل مجيئه إلى القاهرة بساعات ، وكان قد زار أبوظبي والتقى الشيخ محمد بن زايد ، ثم حضر قمة الحكومات في دبي والتقى الشيخ محمد بن راشد ، والغالب أنه طار من هناك إلى هنا ، فكانت الزيارتان في رحلة واحدة .
فما المعنى ؟ .. المعنى أنه جاء عليه يوم كان في خصومته السياسية مع الإمارات أشد منه معنا ، وكان هجومه على أبوظبي لا يتوقف .. تماماً كما كان حاله مع قاهرة المعز .. بل إنه جاء عليه يوم آخر رصد فيه مكافأة كبيرة لمن يأتيه برأس القيادي الفلسطيني محمد دحلان ، زعيم تيار الإصلاح في حركة فتح ، لا لشيء ، إلا لأنه يعرف أن دحلان يقيم في الإمارات ، وأنه على مسافة قريبة من القيادة السياسية فيها !
رصد إردوغان نبأ المكافأة في الإعلام ، وكان يريد أن يعاقب أبوظبي من خلال القيادي الفلسطيني ، ولكن هذه كلها أيام مضت ، ثم مضت معها خصومته السياسية أيضاً مع المملكة العربية السعودية ، و عندما هبطت طائرته في مطار القاهرة ، فإنه يكون بذلك قد انتهى من ” تصفير المشكلات ” مع العواصم الثلاث في الإقليم .
وهي سياسة راح يتبعها منذ فترة ، وبالتحديد منذ تبين له أن رهانه على جماعة الإخوان ليس هو الرهان الصحيح ، وإذا شئنا الدقة أكثر قلنا أن علاقته مع الجماعة في مرحلة ما يُسمى بالربيع العربي في المنطقة ، ثم مروراً بثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ في مصر ، كانت من نوع التكتيك الذي يعبر عن مرحلة ، وأن علاقته بالدول الثلاث وعودته إليها من نوع الإستراتيجية التي هي بطبيعتها طويلة المدى .
والذين يرون وضعية العلاقات هذه الأيام بين القاهرة ، والرياض ، وأبوظبي ، وبين أنقرة ، لا يكادون يصدقون ما صارت إليه ، مقارنةً بما كانت عليه ، ولكنها السياسة التي تتقلب معها الأحوال بين الدول من مربع الى مربع آخر تماماً .
وليست سياسة ” تصفير المشكلات ” التركية مع عواصم الإقليم ذات الوزن والتأثير ، إلا واحدة من بنات أفكار أحمد داوود أوغلو ، الذي كان وزيراً لخارجية إردوغان لفترة ، ثم رئيساً للحكومة في أنقرة لفترة أخرى ، ثم ابتعد واتخذ طريقاً آخر في فترة ثالثة .
كان داوود أوغلو يوصف بأنه فيلسوف ” حزب العدالة والتنمية ” الذي يمارس إردوغان الحكم من خلاله ، وكانت أفكار أوغلو ملهمة في الكثير من الأحيان لإردوغان ، الذي اكتشف لاحقاً أن ابتعاده عن أفكار فيلسوف الحزب جلبت عليه الكثير من المشكلات مع دول الجوار في المنطقة ، فأعطى إشارة العودة الى ما كان يشير به أوغلو ، ولم يجد حرجاً في أن يستعين بأفكار فيلسوف العدالة والتنمية السابق من جديد ، ولكن دون أن يصرح بذلك طبعاً !
هناك الكثير الذي يمكن أن يقال عن إردوغان ، وهناك الكثير الذي يمكن أن يؤخذ عليه ، وهناك الكثير في المقابل مما يمكن أن يكون في حسابه عند التقييم الأخير ، وربما يكون الأهم أن دخول تركيا إلى مجموعة العشرين التي تضم الإقتصادات العشرين الأكبر في العالم كان على يديه ، وهذا ما يحمله له أتراك كثيرون لأنها قضية متصلة بحياتهم المباشرة .
أما عودته إلى مصر فهي عودة إلى الطريق الصحيح ، بعد أن جرب الطريق الخطأ ، وبعد أن اتضح له أن المحروسة رقم مهم في أي معادلة في الإقليم .