وعد كاميرون
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أعلن ديڤيد كاميرون، وزير الخارجية البريطاني، أن بلاده تفكر في الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية، فكان كمن ألقى حجراً في بحيرة راكدة.
والسبب أن الرجل الذي صرح بهذا هو وزير خارجية بريطانيا، التي كانت في الأصل قد ساهمت بدور أساسي في قيام إسرائيل، عندما أصدر أرثر جيمس بلفور، وزير خارجيتها في عام ١٩١٧، وعداً سياسياً اشتهر بعدها بأنه وعد بلفور.
منذ تلك السنة، وإلى اليوم، ثم إلى أن تجد القضية في فلسطين حلاً عادلاً، سوف يظل ذلك الوعد المشئوم، سبباً في معاناة الملايين من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، فضلاً بالطبع عمن لقوا حتفهم، وعمن أصيبوا على مدى أكثر من قرن من الزمان.
كان الوعد الذي أصدره بلفور يقول إن حكومة جلالة الملكة إنما تنظر بعطف إلى مطلب اليهود بإقامة وطن لهم على أرض فلسطين.. وقد كان الوعد الذي صدر على شكل بيان، يضم الكثير من التفاصيل، ولكن حكاية عطف حكومة جلالة الملكة بالذات، كانت أشهر جملة فيه، لأن اليهود من بعدها تصرفوا على أن العطف قرار لا مجرد إبداء العطف بمعناه الإنساني.
وإذا كانت هذه أشهر جملة في الوعد، فأشهر جملة قيلت عنه، أنه قد جاء ليجعل مَنْ لا يملك يعطي مَنْ لا يستحق.. أما الذي لم يكن يملك فهو بريطانيا طبعاً، لأنها لم تكن تملك متراً في الأراضي الفلسطينية لتتعاطف أو لا تتعاطف.. وأما الطرف الذي لم يكن يستحق فهو اليهود بالطبع، لأنه لا شيء كان يبرر أن يأتوا الى أرض فلسطين، فضلاً عن أن يبدأوا في تملك مساحات كبيرة منها، إلى أن انتهينا إلى ما نراه جميعاً في الأراضي الفلسطينية.
لا مجال للكلام عن حقوق تاريخية أو غير تاريخية في فلسطين لليهود، لأن أي دارس تاريخ على نحو موضوعي، إنما يعرف تماماً أن ما يقال في هذا الموضوع لا أساس له، ولا أرضية حقيقية يستطيع أن يقف فوقها.
وقد كانت هذه المزاعم التاريخية أو الدينية التي ترددت وقت إصدار الوعد، ثم على طول الطريق من يوم إصداره الى هذه اللحظة، سبباً في أن يتوجه اليهود وقتها ومن بعدها الى أرض فلسطين على وجه الخصوص، ومن دون بقية أرض الله في سائر الأرض.
كان هناك حديث في ذلك الوقت عن إقامة وطن قومي لليهود في منطقة القرم التي تتنازع عليها روسيا وأوكرانيا، وكان هناك حديث آخر عن إقامته على أرض أوغندا في القارة السمراء، وكان هناك حديث ثالث عن إقامته على أرض أمريكا اللاتينية.
ولكن سوء حظ منطقة الشرق الأوسط جعل المزاد، إذا جاز التعبير، يرسو عليها في آخر المطاف، لأنها لم تهدأ منذ أن صدر الوعد، ولم تعرف الراحة ولا الاستقرار، وكانت ولا تزال تعاني أشد المعاناة، وعندما تراكمت المعاناة فإنها قد فاضت عن المنطقة الى غيرها من المناطق في بقية أنحاء العالم، ولم يعد الكلام عن أن استقرار العالم مرتبط في جزء كبير منه بحل قضية فلسطين حلاً شاملاً وعادلاً يحمل أي درجة من المبالغة.
وإذا كان ديڤيد كاميرون قد جاء ينشط في المنطقة هذه الأيام، وإذا كان قد راح يتنقل في أرجائها مروجاً لاعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية، وداعياً إلى أن تكون البداية بوقف الحرب على غزة، فسوف يكون اعتراف بريطانيا تكفيراً في الحقيقة عما ارتكبته في حق فلسطين، والمنطقة، والعالم، يوم أصدرت وعدها الشهير بغير أن تقدر عواقبه.
وعد كاميرون سوف يمحو بعضاً من المآسي التي صنعها وعد بلفور، ولكن المهم أن يتحقق وأن تسعى لندن في طريقه بصدق وأمانة.