خسائر المجتمع الدولي في حرب غزة
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
على الرغم من محدودية الامتداد الجغرافي للحرب في غزة، إلا أن آثارها امتدت إلى كل أرجاء العالم سواء في شكل مظاهرات أو حركات احتجاج فعلي أو عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ولم يقتصر امتداد تداعيات حرب غزة على الجانب المادي فقط، بل أحدثت هزة معنوية حادة لأعضاء المجتمع الدولي.
وأقصد هنا بالمجتمع الدولي الدول والمجتمعات في أركان العالم. وقد يكون ذلك بفعل قوة أدوات التواصل الاجتماعي والانتشار البرقي للأحداث والأخبار بما يضع العالم ليس فقط في قلب أي حادث عالمي وإنما يجعله مشاركاً في الحدث وتطوراته بشكل أو بآخر.
إن ما حدث في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي يمكن وصفة بالحبكة الدرامية وقمة أحداث الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام والفلسطيني الإسرائيلي بشكل خاص. كما مثلت الأحداث التي واكبت عملية طوفان الأقصى شهادة ميلاد جديدة للقضية الفلسطينية وشهادة وفاة المجتمع الدولي بقيمه ومنظماته، وفي مقدمة تلك القيم العدالة وحكم القانون واحترام حقوق الإنسان التي شكلت المنظومة الفكرية للمجتمع الدولي الغربي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
لقد عاش المجتمع الدولي الغربي وفق قناعة مفادها مسئوليته عن الأمن والسلام والاستقرار في العالم من خلال نشر قيم الحرية والعدالة والمساواة. غير أن حرب غزة الأخيرة ومن قبلها الانتفاضتين وحروب العراق وأفغانستان أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها قيم مركزية غربية تنطبق على المجتمعات الغربية دون سواها.
لقد خسر المجتمع الدولي الغربي العديد من أسهمه في ساحة العدالة والحريات واحترام المعاهدات الدولية. فلم يستطع بهياكله وشبكته التنظيمية الأممية اقناع دول العالم الغربي وغير الغربي بإيمانه بالقيم التي يسوقها لنفسه وللآخرين لتحقيق مصالحة. كما أصبح إمكانية تطبيق قيم الحرية والعدالة في العالم محل شك كبير.
كما خسر المجتمع الدولي الغربي قدرته على تبريز سياسات وأفعال كيان الاحتلال. فحق الدفاع عن النفس لم يصبح قاصراً على كيان الاحتلال فقط بل هو حق للجميع بعد أن سَخرَ المجتمع الدولي بصوت مرتفع من سردية حق الدفاع عن النفس لكيانات ودول محددة.
أما الخسارة الثالثة فهي زيادة وعي المجتمع الدولي بالعبء الذي يشكله كيان الاحتلال عليه. فكيان الاحتلال يكبد المجتمع الدولي الكثير من الخسائر السياسية والأمنية والاقتصادية. فقد أعاد لذاكرة العالم المذابح والمجازر التي كاد أن يطويها التاريخ. ولسوء حظه أنه لم ولن يستطع إخفاء ذلك لأن وسائل الاعلام تنقله بصورة حية. كما زادت التكاليف الأمنية لكيان الاحتلال سواء في صورة ما يدفعه الغرب من تكاليف تسليح وتعويضات للإبقاء على هذا الكيان وضمان وجوده وتفوقه. ليس هذا فحسب، وإنما في تعرض المجتمعات الغربية لتهديدات وأعمال انتقامية تصل لحد الأعمال الإرهابية بسبب مساندتها وشرعنتها لسياسات كيان الاحتلال.
إن كل ما سبق لابد وأن يدفع المجتمع الدولي لإعادة النظر في سياساته تجاه كيان الاحتلال في محاولة لردعه، خاصة وأن الخسائر لم تعد منحسرة في النطاق الجغرافي المحدود لقطاع غزة، وإنما تعدت تكلفة بقاء هذا الكيان بسياساته واحتلاله حدودها إلى كل ركن من أركان العالم.