أسير الڤيتو
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أول مشروع قرار تلقاه مجلس الأمن عن الحرب في غزة كان مشروعاً روسياً ، ولكن الڤيتو الأمريكي كان كالعادة في انتظاره ، وكان له بالمرصاد ، ولم يستطع الروس تمرير مشروع قرارهم ، لأنه لم يصادف هوىً لدى ادارة الرئيس الأمريكي جو بايدن .
وهو لم يصادف هوىً لأنه كان يطلب وقفاً فورياً لإطلاق النار لأسباب إنسانية ، وكان يرفض الهجمات الوحشية على المدنيين ، وكان يندد بهجمات السابع من أكتوبر .. ورغم تنديده بالهجمات ، ورغم أنه يرفض استهداف المدنيين في العموم ، أي أنه يرفض الإستهداف للمدنيين الإسرائيليين ، بمثل ما يرفضها للمدنيين في قطاع غزة ، إلا أنه لم يفلت من الڤيتو الأمريكي !
والسبب طبعاً واضح ، وهو أن ادارة بايدن لا ترى مبرراً لوقف إطلاق النار ، لأنها لا ترى سبعة آلاف فلسطيني سقطوا في القطاع حتى كتابة هذه السطور ، والغالبية فيهم كما نرى ونحن نتابع إنما تنحصر في الأطفال ، والنساء ، والشيوخ ، الذين لا ذنب لهم في هجمات السابع من أكتوبر ، ولا علاقة لهم بها من قريب ولا من بعيد .
وإذا كانت كتائب عز الدين القسام هي التي نفذت الهجمات ، فالضربات الوحشية يتلقاها أبناء القطاع ولا تتلقاها كتائب القسام .. والعقاب الجماعي يجري توقيعه على كل فلسطيني شاء له سوء حظه أن يكون من أبناء غزة ، وبغير أن يكون من ضمن عناصر القسام ، ولا حتى من بين أعضاء حركة حماس التي تمثل كتائب القسام جناحها العسكري .
ومن بعد مشروع القرار الروسي جاء مشروع قرار برازيلي ، ولكن حظه لم يكن بأفضل من حظ مشروع القرار الروسي السابق عليه ، لا لشيء ، إلا لأنه كان يريد وقف هذا الجنون الإسرائيلي الحاصل تجاه القطاع منذ السابع من أكتوبر !
وفي مساء الخامس والعشرين من أكتوبر كان المجلس على موعد مع مشروعين ، أحدهما كان أمريكياً أسقطه الڤيتو الروسي والڤيتو الصيني ، والآخر كان روسياً أسقطه الڤيتو الأمريكي والڤيتو اليريطاني ، وبقي الجنون هو سيد الموقف في غزة .
ولم يكن من الممكن أن توافق روسيا على مشروع القرار الأمريكي ، لأنه كان لا يهتم بشيء قدر اهتمامه بإقرار حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، وضرورة أن تطلق حركة حماس سراح الرهائن المحتجزين لديها دون أي شرط .
ولا ينكر أحد بالطبع حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها ، ولكن لا أحد لديه ذرة من عقل يمكن أن يقر هدم غزة فوق رؤوس أهلها بمبرر الدفاع عن النفس ، ولا أحد لديه بقية من ضمير حر يُقر بتدمير أنحاء القطاع من شماله إلى جنوبه باسم حق الدفاع عن النفس .
ولكن هذا ما تراه تل أبيب وتمضي في طريقه ، وهذا ما توافقها عليه واشنطون دون أن تسأل نفسها عما إذا كان ذلك يتسق مع المعاني التي يقولها تمثال الحرية الأمريكي الشهير ، وهو واقف في مكانه عند مدخل مدينة نيويورك ؟
لا شيء نخرج به من هذا المشهد المؤلم في مجلس الأمن ، إلا أنه قد صار أسيراً للڤيتو ، ولا شيء يشعر به أهل غزة سوى الخذلان ، ليس فقط من جانب بلاد تمثال الحرية ، ولكن أيضاً من جانب عواصم الغرب التي لا تتوقف عن اعطائنا دروساً في حقوق الإنسان .