من بين جميع نظريات المؤامرة المنتشرة على الإنترنت، ربما تكون أسطورة الأرض المسطحة هي الأكثر إثارة للدهشة.
في خمسينيات القرن العشرين، ظهرت جماعات مهووسة بتلك النظرية، وكرست نفسها لإثبات أن الأرض مسطحة.
ويزعم هؤلاء أن الأرض قرص مسطح، وأن الأدلة على كرويتها ــ على سبيل المثال، الصور الملتقطة من الفضاء ــ هي خدعة متقنة تشارك فيها حكومات متعددة.
وتختلف الآراء حول كيفية عمل الأرض المسطحة، إذ يخترع المؤمنون بالفكرة حسابات معقدة من الفيزياء وتفسيرات إبداعية للنظام الشمسي لإنجاح نظرياتهم.
لا أحد يعرف عدد المؤمنين بالأرض المسطحة. وفقًا لمجلة سميثسونيان، بلغ عدد الأعضاء في جمعية الأرض المسطحة، التي تأسست عام 1956، 3500 شخص.
اليوم، تضم الجمعية أكثر من 500 عضو في قائمتها. لكن بعض المؤمنين لا يريدون أن يكون لهم أي علاقة علنية بجمعية الأرض المسطحة.
أظهر استطلاع أجرته مؤسسة Public Policy Polling عام 2017 أن 1% فقط من الأمريكيين يعتقدون أن الأرض مسطحة، بينما قال 6% آخرون إنهم غير متأكدين.
وجدت مقالة نشرت عام 2018 في صحيفة كولورادو صن حول مؤتمر الأرض المسطحة في دنفر أن العديد من الحاضرين يؤمنون بمجموعة كاملة من نظريات المؤامرة، مثل أن جميع السياسيين هم ممثلون وأن القوى الغامضة القوية تسيطر على العالم.
يحصل أصحاب الأرض المسطحة أحيانًا على دعم من بعض المشاهير. على سبيل المثال، في 25 يناير 2016، أصدر مغني الراب بوبي راي سيمونز جونيور (المعروف باسم B.o.B) أغنية بعنوان “Flatline” ينتقد فيها عالم الفيزياء الفلكية نيل ديجراس تايسون، بعد أن خاض الاثنان معركة على تويتر حول الكرة الكروية.
وقبل ذلك بيوم، غرد مغني الراب: “بغض النظر عن مدى ارتفاعك… الأفق دائمًا يكون على مستوى العين… آسف أيها الطلاب… لم أرغب في تصديق ذلك أيضًا”.
وفي عام 2018، اضطر لاعب الدوري الأمريكي للمحترفين كايري إيرفينج إلى الاعتذار بعد إثارة جدل إعلامي من خلال التكهن بأن الأرض كانت مسطحة في بث صوتي عام 2017.
تقول نظرية الأرض المسطحة أن الأرض عبارة عن قرص به الدائرة القطبية الشمالية في المنتصف والقارة القطبية الجنوبية، وهي عبارة عن جدار جليدي يبلغ ارتفاعه (45 مترًا) حول الحافة. ويقولون إن موظفي ناسا يحرسون هذا الجدار الجليدي لمنع الناس من التسلق والسقوط من القرص.
علاوة على ذلك، فإن جاذبية الأرض مجرد وهم، كما يقولون. الأجسام لا تتسارع نحو الأسفل؛ وبدلاً من ذلك، يتسارع قرص الأرض لأعلى بمعدل 9.8 متر في الثانية المربعة، مدفوعًا بقوة غامضة تسمى الطاقة المظلمة.
أما ما يقع تحت قرص الأرض فهو غير معروف، لكن معظم أصحاب الأرض المسطحة يعتقدون أنه مكون من “صخور”.
وقال أحد أنصار النظرية لشبكة CNN في مقال عام 2019: “لا أحد منا يعتقد أننا فطيرة طائرة في الفضاء”. وأضاف أنه في مؤتمرات الأرض المسطحة الدولية، من الشائع الاعتقاد بأن الفضاء ببساطة غير موجود على الإطلاق وأن قرص الأرض لا يزال ساكنًا.
هل يعتقد أصحاب الأرض المسطحة أن القمر مسطح؟
تختلف آراء الأرض المسطحة حول القمر. يعتقد البعض أنه على الرغم من أن الأرض مسطحة، إلا أن القمر والشمس كرويان، حسبما أفاد موقع Space.com. في هذه الرؤية للنظام الشمسي، يتم شرح دورة الأرض ليلا ونهارا من خلال افتراض أن الشمس والقمر عبارة عن كرة يبلغ طولها (51 كيلومترا) وتتحرك في دوائر على ارتفاع (4828 كيلومترا) فوق مستوى الأرض. (يقال إن النجوم تتحرك على ارتفاع 4900 كيلومتر). ومثل الأضواء الكاشفة، تضيء هذه الأجرام السماوية أجزاء مختلفة من الكوكب على مدار 24 ساعة. يعتقد أصحاب الأرض المسطحة أنه يجب أن يكون هناك أيضًا “قمر مضاد” غير مرئي يحجب القمر أثناء خسوف القمر.
وتنتشر على موقع يوتيوب فيديوهات تشير إلى الظلال في صور القمر وتجادل بأن القمر شفاف وبالتالي مجرد ضوء.
ما هي الطريقة الزيتية؟
إذا كان من الصعب إقناع أصحاب الأرض المسطحة بناءً على الأدلة العلمية القياسية، فهناك سبب لذلك: تنبع نظرية الأرض المسطحة من نمط فكري يسمى “الطريقة الزيتية”. تُعد الطريقة الزيتية بديلاً للمنهجية العلمية، التي طورها أصحاب الأرض المسطحة في القرن التاسع عشر، والتي تسود فيها الملاحظات الحسية.
قال نائب رئيس جمعية الأرض المسطحة، مايكل ويلمور، وهو إيرلندي، لـ Live Science في عام 2017: “بشكل عام، تركز هذه الطريقة كثيرًا على التوفيق بين التجريبية والعقلانية، وإجراء استنتاجات منطقية بناءً على البيانات التجريبية”.
في علم الفلك الزيتي، يؤدي التصور بأن الأرض مسطحة إلى استنتاج أنها يجب أن تكون مسطحة بالفعل؛ إن القمر المضاد ومؤامرة ناسا وكل ما تبقى مجرد مبررات لكيفية عمل ذلك في الممارسة العملية.
هذه التفاصيل تجعل نظرية الأرض المسطحة سخيفة للغاية لدرجة أنها تبدو وكأنها مزحة، لكن العديد من مؤيديها يعتبرونها نموذجًا معقولًا لعلم الفلك أكثر من ذلك الموجود في الكتب المدرسية. باختصار، إنهم لا يمزحون.
قال ويلمور: “إن مسألة الإيمان والإخلاص هي مسألة تطرح كثيرًا”. “إذا كان علي أن أخمن، ربما سأقول إن بعض أعضائنا على الأقل يرون أن نظرية الأرض المسطحة بمثابة نوع من التمارين المعرفية.
يعتبر ويلمور نفسه من بين المؤمنين الحقيقيين. وقال: “قناعاتي الخاصة هي نتيجة للتأمل الفلسفي ومجموعة كبيرة من البيانات التي لاحظتها شخصيا، والتي لا أزال أقوم بتجميعها”.
كيف نعرف أن الأرض ليست مسطحة؟
في 30 يوليو 2021، التقط رائد الفضاء الصيني تانج هونجبو، المشهد المذهل لآلاف الأضواء في شمال إفريقيا، ما يظهر بوضوح انحناء الأرض.
على الرغم من ادعاءات أصحاب الأرض المسطحة، هناك الكثير من الطرق لمعرفة أن العالم كروي. أحد الخيارات السريعة هو الاطلاع على مكتبة صور ناسا، المليئة بالصور الجميلة والمتعرجة للكرة الأرضية المأخوذة من محطة الفضاء الدولية. إذا كانت ناسا تخدع الجميع، فهم ملتزمون بهذا الأمر.
بالنسبة إلى أصحاب الأرض المسطحة المقتنعين بأن كل هذه الدول تضع توتراتها السياسية جانبًا من أجل الحفاظ على خيال الأرض الكروية، هناك أيضًا طرق للتحقق من شكل الكوكب بأم أعينهم. واحدة من أبسط الطرق هي الذهاب إلى الميناء ومشاهدة السفن وهي تغادر. عندما تختفي سفينة في الأفق، سيتحرك الجزء السفلي من السفينة أولاً، يليه الصاري تدريجيًا.
يمكنك أيضًا أخذ صفحة من كتاب الإغريق القدماء. لقد اكتشف الفلاسفة الهلنستيون القدماء أن العالم يجب أن يكون كرويًا بناءً على بعض الملاحظات. أحدها أن النجوم ليست هي نفسها في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي: من النصفين المتقابلين للأرض، فإنك تنظر بوضوح إلى أرباع مختلفة من الفضاء. وهناك سبب آخر مفاده أن ظل الأرض على سطح القمر أثناء خسوف القمر يكون منحنيًا.
حتى أن اليونانيين اكتشفوا كيفية حساب محيط تقريبي للأرض بدون أدوات أكثر روعة من العصا وضوء الشمس. ومن خلال قياس زاوية ظل الشمس في نفس الوقت واليوم في مدينتين تفصل بينهما مسافة معروفة، تمكن الفيلسوف إراتوستينس من حساب أن محيط الكوكب يتراوح بين (38600 و46670 كيلومترًا). حقيقة أن زاوية الشمس تختلف في أجزاء مختلفة من الكوكب تشير إلى أننا جميعا نجلس على الكرة الأرضية.
على الرغم من أن نظام معتقداتهم يبدو غير قابل للتصور، إلا أنه لا يفاجئ الخبراء حقًا. تقول كارين دوجلاس، عالمة النفس بجامعة كينت في المملكة المتحدة والتي تدرس سيكولوجية نظريات المؤامرة، إن معتقدات أصحاب الأرض المسطحة تتوافق مع معتقدات منظري المؤامرة الآخرين الذين درستهم.
وتقول كارين دوجلاس أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة كنت بالمملكة المتحدة، متخصصة في علم نفس نظريات المؤامرة لموقع Live Science: إن الطريقة الواثقة التي يلتزم بها منظرو المؤامرة في قصتهم تضفي على هذه القصة جاذبية خاصة. ففي نهاية المطاف، يصر أصحاب الأرض المسطحة على أن الأرض مسطحة أكثر من إصرار معظم الناس على أن الأرض كروية. “إذا واجهت وجهة نظر أقلية تم طرحها بطريقة ذكية ومستنيرة على ما يبدو، وعندما لا ينحرف المؤيدون عن هذه الآراء القوية التي لديهم، فمن الممكن أن يكونوا مؤثرين للغاية. نحن نسمي هذا تأثير الأقلية”.
في دراسة نشرت على الإنترنت في 5 مارس 2014، في المجلة الأمريكية للعلوم السياسية، وجد إريك أوليفر وتوم وود، عالما السياسة في جامعة شيكاغو، أن حوالي نصف الأمريكيين يؤيدون نظرية مؤامرة واحدة على الأقل، من فكرة أن 9 /11 كان عملاً داخليًا لمؤامرة جون كنيدي. قال أوليفر لموقع Live Science: «الكثير من الناس على استعداد لتصديق العديد من الأفكار التي تتعارض بشكل مباشر مع السرد الثقافي السائد». ويقول إن الاعتقاد التآمري ينبع من ميل الإنسان إلى إدراك القوى غير المرئية في العمل، والمعروفة بالتفكير السحري.
