الشباب واللامعنى
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
ينظر البعض إلى هذا الجيل باعتباره الجيل الأكثر حظا في كل شيء بدءاً من حظه في الاتقان والتمتع بالتكنولوجيا الحديثة، بالإضافة لتمتعه بالحريات الواسعة في التعبير عن الرأي والاختيار وحرية القرار والحركة ثم انفتاحه على المجتمعات الأخرى وتفاعله معها.
والبعض الآخر يرثي هذا الجيل باعتباره ضحية لتداعيات العولمة بما يعنيه ذلك من ذوبان هويته في هوية المجتمعات الغربية وانغماسه في العالم المادي الاستهلاكي، بالإضافة إلى تنامي شعوره بالاغتراب وعدم الانتماء لمكان أو زمان أو قيمة.
إن ما سبق قد لا ينصرف على جميع الشباب في هذا الجيل، ولكن ما تم ذكره يعبر عن حالة يعيشها معظم شباب هذا الجيل. وقد انكشفت تلك الحالة بفعل ظروف جائحة كورونا والأزمات والحروب التي مر ويمر بها العالم وما صاحبها من عدم استقرار سياسي واقتصادي.
وفي الواقع يمكن القول أن ما يعاني منه شباب هذا الجيل هو ” اللامعني”، وذلك حين تنفصل الكلمات عن الأشياء والأشياء عن الواقع بحيث تصبح الكلمات بلا مدلول. فعلى الرغم من حالة اللامعنى، فإن هذا الجيل يحاول أن يجد هوية خاصة به يتغلب بها على اللامعنى واللاانتماء من خلال بناء لغة وتعبيرات خاصة به تعبر عنه وعن مخاوفه وآلامه وتمرده على الواقع.
وهذه الحالة لا تجد علاجها في حلقات التوعية بأهمية الانتماء والولاء فقط، وإنما في الارتباط بالقيم وإعمال الآليات التي يمكن من خلالها ربط هذ الجيل بماضيه وواقعه ومستقبله.
لذا علينا أن نسأل أنفسنا عما يريده ويبحث عنه هذا الجيل، وعدم اختزال الإجابة على هذا التساؤل في الأمور المادية المرتبطة بتأمين العمل والدخل، وإنما في تجاوز ذلك باتجاه تحقيق الأمان النفسي والانتماء لشيء. وقد يكون هذا الشيء قيمة أو هدف إنساني أو مشروع فكري يخلق دافعاً لدي هذا الجيل لحب الحياة والعطاء والمشاركة.
لذا اعتقد أن أي حديث أو تناول لمشاكل هذا الجيل يجب أن يبدأ بتحليل حالة ” اللامعنى ” في محاولة لفهمها من أجل ربط اللغة بالفعل وربط الفعل بالواقع وليس التركيز فقط على الماديات.