مستقبل مبادرات التعاون العربي المشترك
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
يشهد العالم العربي بأوطانه وبشعوبه معضلات وتداعيات اجتماعية وثقافية واقتصادية تكالبت عليه منذ مطلع الألفية الثالثة غيرت من جغرافيته السياسية وزادت من هشاشته، الأمر الذي جعله متعثراً في مواجهة المخاطر الدولية العابرة للحدود كالتغير المناخي وتعطل سلاسل الإمدادات والثورات التكنولوجية والأوبئة.
وعلى الرغم من وجود العديد من المبادرات السياسية والاقتصادية الإقليمية التي تهدف إلى ترسيخ التعاون بين بعض الدول العربية كمجلس التعاون الخليجي وقمة بغداد والاتحاد العربي المغاربي ومنتدى شرق المتوسط للغاز ومجلس البحر الأحمر، إلا أنه يغلب على هذا التعاون الانقطاع وتأثرها بالأزمات السياسية التي تظهر بين الحين والآخر بين دول المنطقة مثل مقاطعة مجلس التعاون الخليجي لدولة قطر حتى زمن قريب، أو رفض بعض الدول العربية المشاركة في عدد من تلك المبادرات بسبب الحروب الداخلية في سوريا واليمن واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وبذلك ثبت أن التعاون شبه الإقليمي لم يساهم في تجاوز الخلافات السياسية بين الدول العربية من جهة، بل أن السياسات التي خرجت عن بعض تلك المنتديات والمجالس الإقليمية ساهم بعضها في زيادة تعميق الخلافات العربية -العربية كمنتدى النقب والمعروف باسم المعاهدة الابراهيمية.
وقد يرى المواطنون ومن بينهم المثقفون وقادة الرأي من العرب أنه بالرغم من وحدة اللغة والحضارة العربية الإسلامية والتاريخ السياسي والأزمات والحروب، إلا أن كل ما سبق لم يساهم في تقريب وجهات النظر السياسية أو خلق مصالح مشتركة أو تهدئة العالم العربي.
لهذه الأسباب المجتمعة لابد من التفكير في سياسة أخرى وأدوات أخرى تعمل على خلق مصلحة مشتركة تجتمع عليها الدول العربية ومواطنوها.
إن الدول العربية قد تكون في حاجة إلى مبادرات “ما بعد سياسية” تجتمع حولها الدول العربية وتجد حافزاً للتعاون من أجل تحقيقها. وأقترح أن تتمحور تلك المبادرات حول التعاون العربي المشترك في ثلاثة موضوعات وفي مقدمتها الأمن الغذائي وكيفية تأمين الغذاء للدول والمواطنين العرب. القضية الثانية التي يمكن أن تنعقد مبادرات عربية من أجلها هي التغير المناخي والتعاون العلمي من أجل مجابهة تلك المخاطر. الموضوع الثالث للمبادرات العربية المشتركة هي الثورة الصناعية الرابعة والخامسة المتمثلة في الذكاء الاصطناعي وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية، حيث لابد وأن تناقش الدول العربية السياسات التي من شأنها الحد من الآثار السلبية للتطورات التكنولوجية.
في اعتقادي أن التعاون من أجل مناقشة موضوعات هذه المبادرات قادر على تجاوز الخلافات السياسية وإيجاد أرضية ومساحة تتجاوز الخلافات العربية- العربية وتخلق مصلحة ومكاسب مشتركة للدول العربية وشعوبها.