عشنا نقرأ عن السودان
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
قالت الأمم المتحدة في بيان لها، إن بعثتها في السودان اكتشفت وجود ١٣ مقبرة جماعية في إقليم دارفور ، وإن الغالب أن قوات الدعم السريع هي التي قتلت أصحاب هذه المقابر ، لأن قوات الدعم تتواجد في الإقليم منذ بدء الحرب في السودان.
كانت الحرب بدأت في ١٥ أبريل بين الجيش السوداني وقوات الدعم ، التي بدأت إطلاق الرصاص وكانت ولا تزال تقاتل الجيش.
وفي ١٥ من هذا الشهر دخلت الحرب شهرها السادس ، دون أن تكون في الأفق بارقة أمل توقفها في القريب ، وحين تضع هذه الحرب أوزارها سوف نرى إلى أي حد ألحقت الضرر بالبلاد ، وإلى أي درجة أعادت السودان عقوداً من الزمان إلى الوراء .
ولا تتوقف تداعياتها عند المقابر الجماعية ، التي لا يعرف أحد بعد مَنْ وراءها بالضبط ، ولا مَنْ بالضبط هؤلاء الذين عثر على هياكلهم في المقابر ، ولكن مسئولة الشئون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان قالت إن ستة ملايين سوداني بينهم وبين المجاعة خطوة واحدة .
والسؤال هو كالآتي : أي ذنب ارتكبه هؤلاء النائمون في المقابر الجماعية ، وأي جريمة اقترفها هؤلاء الذين يقفون على مشارف المجاعة ؟
أما فولكر بيرتس ، المبعوث الأممي في السودان ، فلم يشأ أن يغادر دون أن يثير المزيد من المخاوف على السودان ، فلقد أعلن الرجل استقالته وقال إن الأمور تكاد تصل إلى الحرب الأهلية الشاملة ، فلا تتوقف عند حدود صراع بين قوات الدعم وبين الجيش !
وإذا كان فولكر قد استقال في ١٣ سبتمبر ، فهو يغادر بعد أن بقي في الخرطوم ثلاثة أشهر بقوة الأمر الواقع ، وسوف تظل حالته من نوع العجائب الدبلوماسية ، لأن الحكومة السودانية أعلنت قبل ثلاثة أشهر أنه شخص ” غير مرغوب فيه ” .. وكانت البداية عندما أعلن عبد الفتاح البرهان ، قائد الجيش السوداني ، أن على هذا المبعوث أن يغادر ، وأن وجوده في العاصمة السودانية يؤجج الصراع ، وأنه ينحاز إلى قوات الدعم على حساب الجيش .
ولكن فولكر راح يفاصل في المغادرة ، رغم أن الأعراف الدبلوماسية تقول إن على الدبلوماسي الذي يجد نفسه في مثل حالته أن يغادر دون نقاش ، وأن يفعل ذلك في نطاق المدى الزمني الذي تحدده الحكومة المعنية بالموضوع .
يدور هذا كله بينما العالم منشغل عن السودان ، وعن حربه التي دخلت شهرها السادس ، وعن معاناة أهله التي تفوق كل تصور ، وعن مقابره الجماعية ، وعن ملايينه الستة الذين يقتربون من حافة المجاعة ، وعن النازحين من المدن الى القرى ، وعن الذين يتركون البلد ويهربون في أي إتجاه ، وعن الذين شردتهم الحرب ودفعت بهم إلى المبيت في العراء ، وعن المقدرات والثروات السودانية التي تدمرها الحرب وتبددها في كل يوم .
ينشغل العالم عن هذا كله ، ولا يكاد يلتفت إليه أو يتوقف عنده ، وإذا توقف أو التفت فمن خلال بيان أو تصريح لا ينقذ شيئاً ولا يوقف حرباً .
إن لعنة قد أصابت السودان ، فتحول من بلد كان يمكن أن يكون من أغنى بلاد الأرض ، إلى بلد يفر منه أهله إلى أي أرض ، ويتقاتل الطرفان المتحاربان على جثته وبقاياه ، ولكن الأمل قائم في أن يتجاوز محنته رغم كل شيء ، ولن يكون ذلك إلا على أيدي المخلصين من أبنائه ، الذين يؤلمهم أن يكون هذا هو حال بلد عشنا نقرأ أنه سلة غذاء القارة السمراء في رواية ، وأنه سلة غذاء العالم على اتساعه في رواية ثانية ، فإذا بملايين ستة من مواطنيه يقفون على حافة المجاعة .