نحن بحاجة إلى digital detox
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أصبح التأثير السلبي لمنصات التواصل الاجتماعي أو كما هو دارج تسميتها بالسوشيال ميديا يشغل كثيرا من الدول لاسيما التي لديها تضخم في استهلاك الموبايلات الذكية التي هي الوسيط الرئيسي اليوم لتصفح واستخدام منصات التواصل الرقمية. فضلا عن تنامي الكتلة الشبابية مقارنة بباقي السكان وذلك لسبب بسيط وهو أن هذه الكتلة الشبابية هي الأكثر استخداما لتلك المنصات والأكثر معاناة من آثارها السلبية التي ناقشتها في مقالات سابقة. وتعد أكثر الآثار السلبية قابلية للملاحظة هي تراجع الإنتاجية والقدرة على الإنجاز.
وتقدم الهند نموذجا يستحق الدراسة الجادة، حيث يبلغ عدد مستخدمي الموبايل في الهند ١.٢ مليار، ويبلغ عدد مستخدمي الموبايلات الذكية ٧٥٠ مليون ومتوقع بحلول العام ٢٠٢٦ أن يصل عددهم إلى ١ مليار مستخدم للموبايلات الذكية .
وكشف استطلاع رأي خاص بشركة فيفو في الهند حول تأثير السوشيال ميديا على العلاقات الزوجية خلال العام ٢٠٢٢ عن أن ٧٦ بالمائة من المشمولين بالاستطلاع يرون أنهم ينفقون كثيرا من الوقت على الموبايل حتى في الأوقات التي يتواجدون فيها مع أزواجهم، وأن ٦٦ بالمائة يرون أن علاقتهم مع أزواجهم ضعفت بسبب الموبايل .
كما بدأ التربويون في الهند يلاحظون انتشار مرض “إدمان الموبايل” ليس بين الشباب في السن الجامعي فقط ولكن أيضا بين الأطفال في مراحل التعليم الابتدائي ، وفسروا ذلك بالآثار السلبية التي خلفها كوفيد-١٩ والتي ارتبطت بغلق المدارس وتحويل التعليم إلى المنصات الرقمية على نحو جعل الطلبة يرتبطون أكثر وأكثر بهواتفهم الذكية والتي من خلالها يتابعون الدروس وكذلك يتابعون منصات التواصل الاجتماعي ويقضون ساعات طويلة أمام شاشاتها.
ونتج عن ذلك تراجع رغبتهم في التعلم والانتظام في الدراسة بعد فتح المدارس والعودة للتدريس داخل الفصول ، لاسيما وأن وجود هذه الأجهزة في أيدي الجميع توحي بالقدرة على القيام بأشياء متعددة في نفس الوقت multi tasking بضغطة زر أو بتحريك الاصبع بين الشاشات المختلفة. وعمليا هذا يعني وجود الطالب في الفصل الدراسي وبدلا من التركيز مع المعلم فهو يتصفح الإنترنت ويرسل رسائل لأصدقائه من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
وتسبب ذلك في فقدان الطلبة القدرة على التركيز لفترات طويلة في معظم الحالات والتأثير السلبي على قدرتهم على الإدراك والتعلم وقدرتهم على التفاعل الإنساني وجها لوجه مع أي شخص ، فضلا عن دخول عديد ممن هم في سن المراهقة في حالة من الاكتئاب المرضي والانعزال الاجتماعي .
ويشير فيلم وثائقي لبي بي سي عربي عن هذا الموضوع إلى أن انتشار “إدمان الموبايل ” في الهند كان سببا في ازدهار عيادات العلاج النفسي المتخصصة في علاجه وما ينتج عنه من أمراض نفسية، وهذا بالطبع يعني مزيد من التكاليف المالية التي تتحملها الأسرة، وذلك بالطبع بخلاف تكاليف اقتناء الموبايل الذكي لابنائهم في البداية وتلك المتعلقة بتوصيل خدمة الإنترنت إليه في بلد لا تزال اتاحة خدمات الإنترنت عالي السرعة محدودة.
ووجود هذا النوع من الخدمات الطبية مهم جدا كإجراء علاجي ، ولكن ذلك لا يقلل من أهمية التدخلات الوقائية وهذا ما يميز حالة الهند في الحقيقة.
حيث قام فيجاي محيط رئيس مجلس قرية Mohityanche Vadgaon في مقاطعة سنغالي بعقد مناقشات ومشاورات مع المدرسين حول هذه المشكلة فضلا عن شبكة نشطاء الصحة الاجتماعية ASHA ، وتم الاتفاق على تنفيذ مبادرة digital detox في القرية البالغ عدد سكانها ٣٠٠٠ شخص ، حيث يتم يوميا إطلاق صفارة الساعة ٧م لإعلان بدء تطبيق وقف استخدام الهواتف المحمولة والتلفاز وأي وسائط تكنولوجية، ويمتد الحظر لمدة ساعة ونصف حين يتم إطلاق صفارة أخرى في الساعة ٨ ونصف ، وفي أثناء الحظر يقوم نشطاء الصحة الاجتماعية بتفقد المنازل للتأكد من إلتزام أهالي القرية بالحظر أي التوقف التام عن استخدام الموبايل وغيره من الوسائط التي تشملها المبادرة وممارسة أنشطة مثل القراءة من الكتب والدراسة وعمل الفروض المدرسية والتفاعل مع بعضهم وجها لوجه .
ونتيجة لما خلفته هذه المبادرة من آثار إيجابية على الحالة النفسية والعقلية للأهالي والأطفال، تم تعميمها في خمس قرى أخرى تقع ضمن نطاق مقاطعة سنغالي .
وكانت المرأة هي اللاعب الرئيس في تنفيذ هذه المبادرة، فبحكم طبيعة الأسرة الهندية تعد الأم هي الفاعل المؤثر والأكثر قدرة على التغيير في الأسرة، كما أن معظم نشطاء الصحة الاجتماعية الذين يجوبون المنازل من أجل التأكد من الإلتزام بالحظر هم من النساء.