منوعات

المصريون وحكام ثورة يوليو .. عبد الناصر والسادات نمُوذجًا..!

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تميزت العلاقة بين الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات وبين الشعب المصري عامة والمثقفين بينهم خاصة، بطابع درامي لا يمكن إنكاره، يُمكن من خلال الوقوف عليه وتشريحه وتأمله الخروج بالكثير من العبر والدروس التاريخية والسياسية.

ولنبدأ بالرئيس السادات الذي حاول أن يصنع لنفسه مسارًا مغايرًا في علاقته بالمصريين والمثقفين عن المسار الذي انتهجه الرئيس جمال عبد الناصر؛ فقد كان عبد الناصر يرى – رغم محبته لعموم المصريين ورغبته في تحقيق الخير لهم – أن الجماهير قاصرة في هذه المرحلة من تاريخ الوطن والثورة عن معرفة مصالحها الحقيقية، وغير مؤهلة للديمقراطية، ولهذا يجب فرض الوصاية عليها، لأنها لا تمتلك من النضج السياسي والوعي التاريخي، ما يُمكنها من كشف ألاعيب القوى الرجعية في الداخل والخارج، وكشف مخططات الصهيونية والإمبريالية العالمية لإفشال الثورة، وتبديد مكتسبات الشعب المصري.

أما علاقة عبد الناصر بالمثقفين فقد كانت في مجملها سلبية، رغم أنه كان قارئًا ومثقفًا من الطراز الأول، ورغم أن المثقفين كانوا يتفقون معه في الطموحات والأحلام الوطنية، وإن كانوا يختلفون معه في الوسائل.

ومرجع هذا الطابع السلبي في علاقة عبد الناصر بالمثقفين، أنه كان يرى أن المثقفين كائنات نظرية لا علاقة لها بالواقع، ولا تفكر إلا في مصالحها الشخصية الضيقة؛ ولهذا اكتفى عبد الناصر بقراءاته وثقافته الخاصة، وبمثقف واحد وثق فيه، وقربه منه، وجعله صديقه ومستشاره الأول، هو الراحل الأستاذ محمد حسنين هيكل.

وبهذا عزل الرئيس عبد الناصر نفسه – إلى حد كبير – عن المتغيرات الجديدة في حياة وطموحات المصريين ووعي المثقفين، الذين كانوا يريدون أن يصبحوا بعد تثبيت دعائم ثورة يوليو ١٩٥٢ مواطنين لا رعايا جدد.

واكتفى في علاقته بهما بما تنقله له التقارير، مما أوصله ونظام حكمة إلى نكسة ١٩٦٧، واعترافه بعد ذلك في بيان ٣٠ مارس ١٩٦٨ بالأخطاء التي أرتكبت في حق الوطن والمواطنين، وبمشروعية طموحات المصريين والمثقفين في الإصلاح والتغيير.

ومع ذلك فقد صنعت هيبة عبد الناصر الشخصية التي لا تُضاهى، ودوافعه وطموحاته الوطنية الصادقة، رهبة في نفوس عموم المصريين والمثقفين، فأحبوه حبًا يمزج بين التقدير الشخصي والخوف من ضياع حلمهم فيه، وأحلامهم معه، وهو ما حدث بعد وفاته المفاجئة في ٢٨ سبتمر عام ١٩٧٠.

وعودة للرئيس محمد أنور السادات، يُمكن القول إنه استحدث في علاقته بالمصريين والمثقفين، منهجًا مغايرًا لما كان يصنعه عبد الناصر؛ فقد كان السادات عفويًا وبسيطًا في تعامله مع الناس في كل مكان، فظهر في صورة كبيرة العائلة، القريب من ناسه، العالم بأبسط تفاصيل حياتهم، الذي يجالسهم في الغيط على الحصيرة، ويستمع إلى أحلامهم البسيطة ومشكلاتهم، ويساعد فورًا في تحقيق تلك الأحلام وحل هذه المشكلات.

كما وسع السادات من دائرة اتصاله بالصحفيين والمثقفين من كل الأطياف، يمين ويسار ووسط، واستخدمهم وفق رؤية تكتيكية ومكر فلاحي أصيل، أحسن استخدامه لتثبيت دعائم نظامه حكمه، وصنع شعبيته.

وبتلك السياسة الحكيمة، نجح الرئيس السادات في نيل رضا ودعم المثقفين ومحبة المصريين في بداية حكمه، وتكوين جبهة وطنية قوية، ساعدته في اتخاذ أخطر القرارات، مثل تصفية مراكز القوى، وحرب أكتوبر، والانفتاح الاقتصادي، والسلام مع إسرائيل.

لكن العلاقة بين الرئيس السادات وبين المصريين والمثقفين، حدث فيها تحول نوعي بعد ظهور سلبيات الانفتاح الاقتصادي السداح مداح، بتعبير الراحل الأستاذ أحمد بهاء الدين.

وبعد أحداث ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧، وخروج الجماهير ساخطة على بعض القرارات الاقتصادية، التي ستؤدي إلى زيادة الأعباء على أبناء الطبقتين الوسطى والدنيا.

وقد أدى ذلك الخروج، وما صاحبه من هتافات ونقد وسخرية من شخص وخيارات الرئيس السادات، مع وقوف المثقفين موقف الداعم للجماهير، المتفهم لدوافع غضبها، وعدم دفاعهم عن قرارات الحكومة، شرخًا في نفسية الرئيس السادات، وفي موقفه من المصريين والمثقفين.

وقد انعكس هذا التغير بالطبع في قراراته وخياراته اللاحقة؛ فعزل نفسه عن الجماهير في استرحاته الكثيرة، واكتفى فقط في علاقته بالمثقفين بمن ارتضى منهم أن يقوم معه بدور النديم، وبمن يُسمعه ما يريد أن يسمعه من تفخيم لذاته وتمجيد لقرارته وسياسته الحكيمة.

وبهذا لم يوجد حول الرئيس السادات من المثقفين والمستشارين من يملك الشجاعة ليقوله له:

قف يا سيادة الرئيس .. فكر قليلًا .. وتأمل .. وأنظر حولك، وحاول أن تتفهم أسباب غضب الناس، ولتجعل بوصلتك في الحفاظ على حكمك، وخدمة وطنك، وحماية مؤسسات بلدك، هو الاستماع إلى نبض عموم المصريين، وإلى رؤى وآراء الخبراء والمثقفين الوطنيين المخلصين، وتثبيت دعائم دولة المؤسسات والقانون.

ولو وجد من يقول له ذلك، لربما صوب الرئيس السادات مساره، واستدرك بعض أخطاء خياراته وسياساته، فتجنب سخط المصريين والمثقفين، وحالة الانهيار السريع في شعبيته، وصولًا إلى النهاية المأساوية التي انتهت بها حياته، رغم الخدمات العظيمة التي قدمها لبلاده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى