ما تفعله منصات التواصل بالميديا .. وكيف تستمر الصناعة؟
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
عندما تتابع محاولات بعض وسائل ومنصات الميديا لجذب الجمهور ستقول إن هناك احتياجا ملحا ينمو كل يوم لمعرفة الجمهور تحديدا وشمولا، وهنا علينا أن نؤكد على صعوبة المهمة فى ظل غياب واسع لقواعد معلومات متجددة وشاملة لها استراتيجية عمل وأهداف واضحة ترتبط بذلك تكون مجال استثمار حقيقى لمختلف وسائل الإعلام المصرية، تتابع وتحلل وتقدم مؤشرات متجددة عن مختلف ظواهر علاقة الجمهور بالميديا ومحتواها، وتبحث بوضوح عما يريده الجمهور، وكيف تنتقل وتتحول تفضيلاته أو تتركز فتستمر ومبررات ذلك، على أن يكون كل ذلك جهدا مجتمعيا عاما لمجمل وسائل ومنصات الإعلام المصرى مع الوضع فى الاعتبار بيئة منافسة الإعلام الإقليمى كسياق تحليلى لتتجلى بشكل أبعد مجالات الحضور والتأثير، ولتتمكن كل وسيلة من هذه الوسائل والمنصات المصرية من الحصول على مؤشرات ترى أهميتها وتحتاج لها لبناء سياسات المحتوى ومعها سياسات التسويق الموازية والمكملة كعتبة انطلاق توثق وتقوى من صلتها بالجمهور، وهنا تنشأ ضرورة عصرية تتمثل فى وجود مراكز بحوث واستطلاعات مصرية الهوية – مخصصة لهذا الهدف- تعمل فى ظل استيعاب مدرك لمختلف التجارب الدولية وتوظف البنى المنهجية المتبعة فى سياق من دقة وشمول، كما تتيح لكافة وسائل الإعلام أن تشارك وتتوثق من إجراءات وصدق المؤشرات، ولا شك أن هذا استثمار حقيقى فى الصناعة واستثمار مهم أيضا فى مجال الدور والتأثير لوسائل الإعلام المصرية، وبغير هذا التأسيس المعرفى سيصعب ملاحقة نمو وتنوع تفضيلات الجمهور وتلك هى التجربة العالمية.
وفى ظل غياب لبنية معلوماتية بحثية ستنشأ وتنمو ممارسات إعلامية تنتصر لمقولة: “شوف السوشيال ميديا بتعمل إيه وقلدها” وهنا ستكسب السوشيال بطابعها الفردى وغياب كثير من قواعد المهنية فى منتجها، وحيث سنرى أنه كثيرا ما تنازع النميمة حضورا وهيمنة على سرد الوقائع، والشائعة على الحقيقة، والهوى على الموضوعية، وهكذ وفى غياب لمؤشرات ونتائج دراسات واستطلاعات تلاحق ذلك الجمهور سيكون المتاح واليسير لبعض وسائل الإعلام هو تتبع ضخامة الحضور على بعض ما تطرحه منصات التواصل فتقتدى به وتعمل فى إطاره، فى إغفال لطبيعتها وطبيعة منصات التواصل ووظائفها ووظائف منصات التواصل، فتكون النتيجة غالبا لصالح منصات التواصل فتلك ساحتها وهذا ما يعرفها جمهورها به.
وستكون محاولة جذب الجمهور دون معرفة بهم هى مطاردة لشرائح الجمهور لا تعرفه الوسائل تحديدا من العابرين قفزا بين وسائل الإعلام والمواقع والمنصات، وسيكون الأمر شبيها بزمان مضى فى الصناعة، وحيث عرفنا بائع الصحف الذى يسير بين العربات المتمهلة بفعل زحام المرور أو وسط تجمعات الناس فى الشوارع المزدحمة، وهو ينادى على الصحيفة “إقرا الحادثة”، سيكون ذلك النداء أو تلك الحادثة هى “مغناطيس” بيع الصحيفة لذلك اليوم القديم فى الزمان، وبينما يمر الوقت علينا أن ننتبه لمقتضيات تطور فرضه تحولات طبيعة الجمهور وخصائصه المستحدثة بما يجعل من ضرورة فهمه ثم التعبير عنه فى مفاهيم مهنية جديدة تتجسد موضوعات وبرامج تحديات بقاء واجبة.
وربما يصبح مهما بناء سياسات تعريف واضحة التفصيل شاملة بالجمهور من زوايا متنوعة تخص علاقته بالميديا وخاصة الشرائح العمرية الأصغر، كضرورة لكى تبنى عليها سياسات المحتوى والتسويق، تؤسس لحالة فعالة من التواصل مع جمهور محدد يعرفك من “بصمتك المهنية” ويتنسم رائحة مهارة وتفرد المحتوى ثم يخلص للوسيلة والمنصة والموقع والبرنامج مقيما أو مسافرا، برا وجوا، ويتابعك كقسم أصيل من تفاصيل حياته اليومية.
نحتاج فى مجال التأكيد على عناصر ومقومات صناعة إعلامية مصرية قوية – فى ظل منافسة ضخمة ومتسعة وكثيفة ضخ المال إقليميا- أن تكون نقطة الانطلاق مراكز بحوث لتوثق الصناعة الإعلامية صلتها بالجمهور واحتياجاته تتبع تغيراتها وتحولاتها تعرضا وتصفحا واهتماما، معارفا وتسلية وخدمات وتسويق، وتناقش ما يستجد من ظواهر وتحلل ما يصعب فهمه ويجدر تفصيله من قضايا، لتساعد بحق وسائل الإعلام فى أن تصنع نموذجها المهنى والصناعى الناجح والمؤثر الذى لا يضطر إلى أن يلجأ الى متشابهات متاحة على قارعة الطريق لفرادى وأحادى المؤثرين على منصات التواصل.