هونغ كونغ تنظّم بحذر تداول العملات المشفرة بالتجزئة
قد يصبح بمقدور صغار المستثمرين في هونغ كونغ قريبا شراء عملات مشفرة رائجة مثل البيتكوين في منصات مرخّصة من الحكومة، بفضل قواعد جديدة تهدف لتعزيز موقع المدينة كمركز للأصول الرقمية.
لم تتعاف أسواق العملات الرقمية العالمية بعد من سلسلة إخفاقات كبيرة شهدتها مؤخرا، بينها انهيار منصة “إف تي إكس” للتداول ومصرفي “سيغنتشر” و”سيلفرغيت” اللذين يتعاملان مع العملات المشفرة.
لكن الصعوبات التي تعصف بالعملات المشفرة لم تثن سلطات هونغ كونغ عن الاهتمام بالقطاع، وهو أمر بدأ في أكتوبر العام الماضي وبلغ ذروته في قوانين جديدة لصرف العملات المشفرة تُطبّق اعتبارا من الأول من يونيو، وفق ما نقلته وكالة “فرانس برس”.
يأمل المسؤولون أيضا أن يؤدي التحوّل إلى ازدهار اقتصاد المدينة الذي ما زال يواجه صعوبات ناجمة عن وباء “كوفيد” والاضطرابات الاجتماعية التي شهدتها هونغ كونغ، فضلا عن تداعيات قانون الأمن القومي على ثقة المستثمرين بعدما فرضته بكين.
ويشير مراقبون إلى أن القوانين الجديدة ستجعل من هونغ كونغ ملاذا رئيسيا للمستثمرين الصينيين الساعين لتجارة العملات المشفرة، وهو أمر محظور في البر الرئيسي.
وتأمل الجهات الناظمة بجذب الشركات ذات الظروف التجارية الملائمة لكن عليها الموازنة بين ذلك والحاجة لحماية المستثمرين، علما بأن هذا المجال تم تطويره بشكل جيّد في عالم المال التقليدي فيما ما زال أقل تطورا في فضاء الأصول الافتراضية.
وقال أستاذ القانون لدى جامعة هونغ كونغ جيليانو كاستيلانو لفرانس برس: “هناك إقرار صريح بأن هذه المنتجات باتت أكثر فأكثر جزءا من اقتصادنا”.
ووضعت المدينة نظام ترخيص طوعي لمنصات تداول العملات المشفرة منذ العام 2019، لكن لا يمكن للجهات المرخّص لها إلا خدمة عملاء بمحافظ تبلغ قيمتها 8 ملايين دولار هونغ كونغي (مليون دولار أميركي).
وفي غياب خيارات محلية مرخّصة، يتّجه متداولو العملات المشفرة إلى مواقع إلكترونية في الخارج مثل “باينانس” و”كوين بيز” أو مجموعة متاجر فعلية تشتري وتبيع العملات الرقمية مقابل أموال نقدية.
ولم تكن القيود المرتبطة بالعملاء تحظى بشعبية في أوساط الأعمال التجارية المعنية بالعملات المشفرة في هونغ كونغ، وبالتالي تخلى عنها المسؤولون أخيرا عندما وضعوا القواعد الجديدة.
وقالت المحامية في مجال تكنولوجيا المال لدى “دي إل أيه بايبر” كريستي شفارتز: “خرج المارد من القمقم”، في إشارة إلى تداول العملات المشفرة بالتجزئة.
وأضافت “عليهم أن يواجهوا الواقع.. إذا كانت هناك بالفعل، فلنحاول تنظيمها”.
“حقل اختبار” للصين
تسابق هونغ كونغ جهات ناظمة حول العالم سعيا لإيجاد قواعد أساسية للعملات المشفرة التي ما زالت، رغم الانهيارات التي تعرّضت لها، تحافظ على قيمة سوقية عالمية تتجاوز تريليون دولار.
وفي وقت سابق هذا الشهر، أقر الاتحاد الأوروبي أولى القواعد الشاملة في العالم المرتبطة بالقطاع فيما قدّمت المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية توصياتها في هذا الصدد بعد وقت قصير من ذلك.
وفي تناقض مع المواقف المتطورة من العملات المشفرة حول العالم، أبقت الصين على حظر مشدد فرضته العام 2021.
وأشار المؤسس المشارك لـ”رابطة هونغ كونغ للبيتكوين” ليو ويز إلى أن المدينة الصينية التي تفرض قواعد مالية منفصلة عن تلك المطبقة في البر الرئيسي تحمل جاذبية خاصة للأعمال التجارية والمستثمرين الصينيين في مجال العملات المشفرة.
وقال ويز: “هناك اهتمام كبيرة من مشاريع العملات المشفرة الصينية ليكون لها أي حضور قانوني مهما كان نوعه على التراب الصيني”، مضيفا أن الشركات ترى في المدينة بوابة إلى سوق البر الرئيسي المربحة.
ويعد الاعتراف بالمستثمرين من البر الرئيسي الصيني كعملاء في هونغ كونغ أمرا مألوفا سواء في عالم المال التقليدي أو الرقمي طالما أن لديهم حسابا مصرفيا وعنوانا في المدينة.
وأوضح ويز: “فور امتلاكك رخصة في هونغ كونغ، سيكون بإمكانك إقناع العديد من عملائك في البر الرئيسي.. بأنه يمكنهم بأمان التعامل معك عبر حسابهم في هونغ كونغ”.
وأعلنت منصات كبرى لتداول العملات المشفرة مثل “هيوبي” و”أو كاي إكس” اللتين تأسستا في الصين، عن خطط للتقدّم بطلبات للحصول على رخص في هونغ كونغ.
وفي حين لم يتغيّر موقف بكين المناهض للعملات المشفرة على الورق، فإن كبار المسؤولين في مجال الاقتصاد أعربوا علنا عن دعمهم لطموحات هونغ كونغ.
وقالت شفارتز: “يمكن أن تروا أن الصين تقول أنظروا، إذا حصل ذلك في هونغ كونغ حيث يبلغ عدد السكان حوالى 7 إلى 8 ملايين نسمة، فلا بأس في ذلك. يمكننا استخدامها كحقل تجارب لنا”.
حماية المستثمرين
بخلاف النظام السابق، ستكون القواعد المواتية لصغار المستثمرين التي تدخل حيّز التطبيق في يونيو إلزامية، ما يعني أنه سيتعيّن على جميع منصات التداول العاملة في هونغ كونغ الحصول على تراخيص.
وتأمل الهيئات الناظمة في هونغ كونع بالتحرّك سريعا لإصدار أولى التراخيص.
وتفيد بعض الأعمال التجارية المرتبطة بالعملات المشفرة بأن من المستبعد أن يعطّل التحوّل العمليات اليومية، إذ أن السلطات سمحت بفترة انتقالية مدتها سنة.
وقالت مجموعتا “هاش كي” و”أو إس إل”، وهما الجهتان القائمتان لمنح التراخيص، إنهما ستتقدمان بطلب للحصول على تراخيص جديدة وتعزيز حضورهما في مجال التجزئة.
وأفاد الرئيس التنفيذي لمجموعة “هاش كي” ميشال لي “هناك حاجة كبيرة جدا في السوق لامتلاك منصات يمكن الوصول إليها بسهولة.. لكنها مدارة ومنظمة بشكل جيد”.
وتابع “يضيف هذا النظام الجديد الكثير من الوضوح على ما تحصل عليه وما معايير السلامة التي ستُقدّم إليك”.
وفي وقت ما زال انهيار “إف تي إكس” حاضرا في الأذهان، تؤكد الجهات الناظمة في هونغ كونغ أن القواعد الجديدة تهدف إلى “تقديم حماية قوية للمستثمرين وإدارة المخاطر الرئيسية”.
يشمل أحد الضمانات أن منصات التداول لا يمكنها إلا توفير “أصول افتراضية برأس مال كبير” مثل البيتكوين وإيثريوم لصغار المستثمرين ويتعيّن عليها تأسيس لجان داخلية لتحديد العملات المشفرة المطروحة.
ويتعيّن على صغار المستثمرين أيضا الخضوع لاختبارات معرفة وتحديد المخاطر قبل التداول، رغم أن مستوى المعرفة الذي يعد كافيا ما زال غير واضح.
في الأثناء، ما زالت منتجات مثل العملات الرقمية المستقرة ومشتقات العملات المشفرة محظورة على صغار المستثمرين حاليا.
وقال كاستيلانو: “تهدف القواعد الجديدة لحماية المستثمرين بشكل أفضل.. من الحكمة أن يتم إتباع نهج حذر”.