منوعات

إحداثيات الحياة “الجديدة” لمنصات التواصل الاجتماعي ..

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كلمة “الدواوين” مفردة عربية لها مدلولها الذي يعني سجلا لكتابة وحفظ الوثائق قديما وما تشمله من تنبيهات تخص عموم الناس فيما يهمهم أو يحدث لهم منه أثر، وقد ارتحلت الكلمة وتوسعت دلالتها، وحيث صرنا نعيش منذ زمن بعيد ما يعرف بساحة المجال العام بعد أن أسست وسائل الإعلام شكلا جديدا للملتقيات والديوانيات يتفاعل فيها الجمهور بتعليقاته حول الشأن العام من خلال ما تنقله وسائل الإعلام عنه.

لكن الجديد ما تحمله وتترى نتائج دراساته عن علاقة بشر جغرافية الكون بذلك الكائن الذي يكبر كل يوم ويأخذ مساحات متزايدة من أوقاتهم بل ويقتطع حصة معتبرة تزيد دوما من اقتصاديات الميديا عامة، هو وسائل التواصل الاجتماعي وما تتضمنه من ظاهرة استيطان غالبية البشر على ساحات أراضيها وفضاءات إحداثياتها، ثم مع الوقت تخبرنا مؤشرات بحوث دولية أن حسابات الجمهور على وسائل التواصل الاجتماغعى صارت مدخلا للحصول على الأخبار يفوق ما عداه، لتوثق معرفتنا بشكل مطرد بأن دور المنصات الرقمية التواصلية يتسع كل يوم ليكون هو أكبر مصدر للجمهور فى العالم بشأن كل ما هو عاجل من معلومات وكذلك الأخبار المهم منها والأقل أهمية، الجاد والساخر، الحقيقي والزائف، وحيث اتخذ الأمر تعبيرا رقميا مذهلا وثقته الدراسات في الأزمات الكونية كما حدث في وباء كورونا.

ربما علينا هكذا أن نناقش بواقعية مفرطة جدوى تواجد جملة عاشت ضمن مأثورات الميديا طويلا وهي “خدمة آخر الأخبار”، تلك التي يحصل الجمهور عليها من وسائله الإعلامية المعتادة، وحيث صار المتعملقون الجدد (الفيس والواتس وتويتر) والذين يعيشون على ما تصنعه وتنتجه وسائل الإعلام ومواقع الأخبار دون تحمل أية كلفة اقتصادية بل يذهبون إليها طائعين – صاروا- بديلا يحتويها هضما وتمثيلا، ثم تمنحه كأنه من صنعها روابطا لجموع البشر زادا إخباريا متاحا.

وهكذا يخفت مع الوقت الدور المؤثر والكبير لريموت التليفزيون الذي هو في متناول اليد عند الجلوس وعند المنام، تضغط أزراره لفا وبحثا عن جديد في متسع القنوات ذهابا وعودة، ربما ليدخل ذلك كله فصلا في كتاب تاريخ الاتصال البشري، وحيث حلت وسائل التواصل الاجتماعى مكانا وبراحا وديوانا جديدا لأخبار “الحياة المعاصرة”.

أنت الآن لن تفكر وتحتار عما تبحث، ولن تسعى كثيرا وتذهب هنا أو هناك، ذلك أنه وقبل أن تسأل وفقط بمجرد أن تفتح عيونك ستبادرك مجموعات الواتس ورفاق الواتس ورسائله المتدفقة بالجديد مما يخصك ومما لا يخصك، في رحابة تشبه تماما تصاريف الحياة ذاتها وتواتر شمل أطرافها وهي تجمع بين النقائض، وفقط عليك أيها السيد الجديد أن تختار من كل ذلك.

تلك هى الحياة الجديدة التي يعيشها الناس على هوى زمانهم وتصاريفه على موجات وسائل التواصل الاجتماعي، حياة لا تشبه ما مضى، وحيث جعلت الأحداث الكثيرة والاهتمامات الغزيرة وأيضا الأزمات الدولية من البشر كائنات مبحلقة في الشاشات الصغيرة للموبايلات، لتكون المصدر والعارف، والموسوعة الشاملة لمختلف المعلومات والتي لم تكن لتتسع لها حوائط الغرف وهي تتراص بأجزائها الكثيرة في قديم الزمان.

ربما يمكننا القول أنه حدثت تحولات أخرى مهمة في تشييد الدور الخبري والإعلامي البديل لمنصات السوشيال ميديا، حتى إن ما يعرضه البعض خفوتا فى أذنك وهو يلقى بكلماته ويرسلها كعارف بالخبايا سيواتيك به الفيس والواتس أحيانا قبل أن ينطق به مصدره – وبالطبع اكتمال المعلومات هنا لن يعوق التدفق والتأثير بحال؟!- فموجات البث سارية لا تقف، وهكذا الحياة صارت جميعها إلا قليلا يدخل رويدا رويدا على ضفتهم المتسعة وعلى الهواء بثا ونقلا تلفزة وإذاعة وحكيا، وحيث يدعم نمط الحياة هذا ذلك الكائن الصغير الرقيق “السمارت” الذي دوما إلى جوار البشر حميما ملتصقا تضيء شاشاته معبرة، ثم تغرد ترينداته لتعرفك شئت أم بيت بما يشغل العالم ويؤرقه.

وحيث ينفرد الفيس بوك وتويتر بك عبر من يتواجدون وبكامل اختيارك على صفحتك وعبر ما يقرأون ثم يبثون “تشييرا”، سيلا متسارعا نابضا كأنك لم تنم ولن تغفو قط ولم تنقطع وقتا لبعض طعام أو حديث، يتدفق جديده طوال الوقت، تغذية فلا تنتهي “فيدات” Feeds وراء فيدات، وكما قول الأغنية “الموجة بتجري ورا الموجة عايزه تطولها”.

لا يقف الأمر عند ذلك فقط فالبشر ذاتهم مما يضمهم محيط الفيس أو الواتس أو تويتر -ومعذرة لسيبويه فلم يلحق عصرنا تأصيلا- هم أيضا صاروا أخبارا ومصدرا لها أحيانا، فكل يصف ما رأى وعاين وشاف وعايش أو أدرك وتخيل وظن وقدر، حتى صار البشر كائنات تألف العيش تحت أضواء شاشات الموبايل وموجات منصات التواصل ووفق مجالها، وحيث هنا تحديدا يبدو كل تخوف أو قلق مكبرا ، بينما يواصل الإنسان العصري الاحتماء داخل صوبته تنفرد به وسائل التواصل الاجتماعي، يحاذر أن ينفذ منها خشية أن يباغته ضوء النهار ومشهد النجوم ووهج الشمس ولفح الهواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى