أنت حيث تضع نفسك…!
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أصبحت على يقين اليوم بعد تراكم التجارب والخبرات أن ما يدور على ألسنة الناس في الخفاء أو العلن من ثناء على شخص ما، هو عنوان على حقيقة هذا الشخص، وما هو عليه من خير وفضل وصدق مع الذات والآخرين، جعلوه مستحقًا لثناء ومحبة الناس، لأن من الصعوبة بمكان أن ينجح هذا الشخص دائمًا في خداع الجميع.
ولهذا قالت العرب قديمًا: ألسنة الخلق أقلام الحق.
والعكس صحيح؛ عندما يُذكر شخص ما بالسوء على ألسنة الناس في كل سياق، ويجمعون على انعدم الصدق والخير فيه، فإن هذا الشخص في الأغلب الأعم يستحق بشخصه وسلوكه وتاريخه ذلك الذم، وأن حكمهم عليه، هو عنوان حقيقته، وهو المسؤول عنه.
وقد جاء هذا المعنى في قاموس الأمثال العامية المصرية للراحل أحمد تيمور باشا على النحو التالي:
قَالْ أحدهما: اللهْ يِلْعَنِ اللِّي يِسِبِّ النَّاسْ.
قَالْ الآخر: الله يِلْعَنِ اللِّي يِحْوِجِ النَّاسْ لِسَبُّهْ.
أي: لعن الله من أحوج الناس ودفعهم إلى سبه، وسَبَّبَ لنفسه ذلك بما يأتيه من أمور داعية للذم.
وهذا يعني أن الإنسان يكون في عيون الناس حيث يضع نفسه، وبنتائج أعماله، لا حيث يظن هو بنفسه أو ما يقوله عن نفسه.
وهذا يعني أن الإنسان هو مَن يصنع صورته الذهنية ومكانته الإيجابية أو السلبية في عيون المتعاملين معه أو المتلقين لخطابه.
وإدراك هذا الرأي مهمّ للإنسان بوجه عام، لكنه أكثر أهمية وضرورة حياة بالنسبة للشخصيات العامة، ولصناع وقادة الرأي والفكر والثقافة؛ لأن رأسمال هؤلاء الحقيقي رأسمال رمزي يتأسس على الموهبة والمهارة والصدق والاحترام، والسعي لتحقيق الصالح العام، والبعد عن الهوى والمصالح الشخصية، ونبذ كل أشكال الازدواجية بين القول والفعل.
وهؤلاء يجب أن يكونوا على يقين تام من أن “الإنسان تاريخ وموقف، فلا سرَّ يخفى، ولا شهادةَ تموت”، كما قال الراحل الأستاذ سليمان فياض مقدمة كتابه “نبلاء وأوباش”.
كما يجب أن يكونوا على يقين تام من أن الضمير والوعي الجمعي للشعوب لا يمكن التدليس عليه، وهو دائمًا عنوان الحقيقة، وقاس لا يرحم.