اهتمامات الشباب العربي
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
يمثل الشباب في المنطقة العربية الذين يبلغون من العمر أقل من 29 عاما حوالي ثلث السكان، ينتمي أغلبية الجيل الحالي من الشباب في الدول العربية لجيل z، أي أنهم ولدوا خلال الفترة 1997 حتى 2012، أي تتراوح أعمارهم بين 26 و 11 عاما.
وتتوقع اليونيسيف أنه بحلول العام 2040 سيساهم ضخامة عدد من ينتمون لجيل الشباب مقارنة بعدد الأجيال الأكبر سنا في تمكين الدول العربية من تحقيق العائد الديمغرافي demographic dividend بسبب تراجع نسبة الاعالة للأجيال الأكبر سنا مقارنة باليوم، وهو ما يعني مزيداً من فرص تحقيق معدلات أعلى من التنمية المستدامة.
ونظرًا لأهمية تطوير السياسات العامة المعنية بالشباب في المنطقة العربية، فقد أعلنت منظمة جامعة الدول العربية بالشراكة مع وزارة الشباب والرياضة المصرية د.أشرف صبحي تخصيص العام 2023 عاما للشباب العربي بحيث ينفذ فيه عدد من البرامج والمبادرات على مستوى المنطقة العربية ذات صلة باهتمامات الشباب خلال المرحلة الحالية.
ومناقشة اهتمامات جيل Z العربي لا ينبغي أن يتم باستخدام الأفكار التقليدية التي ساهمت في تشكيل اهتمامات أجيال الشباب في العقود السابقة والتي صاغها بشكل كبير الأجيال الأكبر سنا، ولكن من الضروري أن تتم تلك المناقشة استنادا لاهتمامات هذا الجيل من الشباب كما يعبرون عنها حتى يتم صناعة سياسات عامة خاصة بالشباب أكثر واقعية.
وتعد استطلاعات الرأي أحد الأدوات المهمة لمعرفة اهتمامات وتوجهات الشباب، وفي هذا السياق صدر منذ أيام استطلاع راي نفذته شركة Vice media group المتخصصة في الإعلام الرقمي والصناعات الثقافية على عينة من الشباب في مصر والسعودية والإمارات بلغ حجمها 2134، ويكشف الاستطلاع عن عدد من النتائج اللافتة حول رؤية الشباب لواقعهم ومستقبلهم.
النتيجة الأولى تتعلق بأن الجيل الحالي من الشباب اكثر انفتاحا على العالم وعلى المجتمعات الاخرى من الأجيال الأكبر، ولذا فإن كيفية تعبيره عن هويته لا ترتبط بمكونات الهوية التقليدية مثل جنسية الدولة التي ينتمي إليها أو السن أو الجنس، إذ يرى الشباب المشمولون في الاستطلاع أن ما يساهم بشكل أكبر في تعريف هويتهم هي العائلة بنسبة 49% والسمات الشخصية بنسبة 52% والتعليم بنسبة 47% والأصدقاء بنسبة 37%.
النتيجة الثانية تتعلق برؤيتهم للمستقبل، وهي رؤية رغم كونها تفاؤلية إلا أنه يشوبها قد من القلق، حيث يرى 48 % من العينة أن حياتهم ستصبح أفضل في المستقبل بينما ينتاب 52% نوع من القلق بخصوص مستقبل حياتهم.
النتيجة الثالثة تتعلق بقدرة هذا الجيل من الشباب على تغيير مجتمعاتهم وحياتهم، فاستنادًا لنتائج الاستطلاع يرى 2 من كل 3 شباب في العينة أن التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم سيحققه الشباب أنفسهم، ولكنهم يدركون قوة تأثير الحكومة والمؤسسات الدينية والإعلام في إحداث التغيير أو تحديد نطاقه ومستواه، وبلغت نسبة من يرون قوة تأثير الحكومة 44% والمؤسسات الدينية 23% والإعلام 34% وهي نسب أعلى من المتوسط العالمي.
تنصرف النتيجة الرابعة إلى أهمية التكنولوجيا لهذا الجيل من الشباب، حيث يرى الشباب المشمولين في الاستطلاع أن مساحات التأثير في هويتهم وثقافتهم تتغير وتتحول باستمرار بفعل تكنولوجيا الاتصالات، وما أتاحته لهم من إمكانية التواصل المستمر من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث أصبح أي شخص موجود أون لاين هو مصدر إلهام لغيره وتأثيره في غيره، فعلى سبيل المثال يشير 54% من العينة إلى أن تفضيلاتهم الخاصة بالملابس والمظهر الخارجي تتشكل من خلال ما يرونه على منصات التواصل الاجتماعي. وهذا الوضع الجديد يجعل أهمية المؤثرين التقليديين على منصات التواصل في تراجع.
كما أن تنامي استخدام الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى جزء من الروتين اليومي لحياة الناس، تخلق علاقات أون لاين بين أبناء جيل الشباب الحالي حتى وإن لم تتحقق بينهم معرفة شخصية، وهذه العلاقات الأون لاين تولد نوع مختلف من ثقافة التعاضد والمساندة بين القرناء. ووفق نتائج الاستطلاع، يرى كل 2 من 3 شباب في العينة أنهم يشعرون انهم متصلون connected مع قرناء في نفس عمرهم أون لاين، وأن كل من هؤلاء تحول إلى مصدر إلهام للآخرين على الإبداع والابتكار .
ويمكن القول إن هذا التغيير له تأثيره على كثير من الأعمال مثل التسويق وصناعة الأزياء والخدمات الطبية والخدمات المالية وغيرها، كما أنه يحدث تغيير في سياسات الحكومات حول كيفية التواصل مع هذا الجيل من الشباب والتأثير في توجهاته وتفضيلاته.
ومن واقع نتائج الاستطلاع أيضًا، يبحث 69% من الشباب في العينة باستمرار عن طرق لتحسين حياتهم من خلال دمج التكنولوجيا فيها، ويستخدم 53% منهم التكنولوجيا من أجل الاهتمام بصحتهم من خلال تطبيقات telehealth وغيرها، كما ان واحد من كل اثنين في العينة يستخدمون منصات ألعاب الفيديو الرياضية eSport كمشاركين أو كمراقبين.
تتعلق النتيجة الخامسة بعلاقة الشباب ألعاب الفيديو gaming؛ حيث تفسير مختلف لتنامي إقبال الجيل الحالي من الشباب على هذه الألعاب، فبخلاف الترفيه تعد هذه الألعاب كما يرى 1 من كل 3 في العينة وسيلة للتعبير عن ذواتهم self-expression وعن هويتهم بطريقة لا تتاح لهم من خلال التواصل التقليدي offline.
تتعلق النتيجة الأخيرة بالطموح، حيث تشير نتائج الاستطلاع إلى أن الاستقلال المالي أصبح هدف وغاية لهذا الجيل من الشباب وهو أيضا وسيلة ستساعدهم على تحسين ظروفهم المعيشية، حيث يرى 1 من كل 3 في العينة أن هدفه الأسمى هو إطلاق مشروع خاص به يمكنه من تحقيق استقلال المالي، كما يرى 1 من كل 3 في العينة أن الاستثمار في العملات المشفرة هو بديل أفضل عن الاستثمار في البورصة أو البنوك أو غيرها.
هذه النتائج في مجملها توضح أن هذا الجيل من الشباب مختلف عن جيل شباب الألفية، وأنه بحاجة لسياسات عامة من نوع جديد تتلاءم مع توجهاته واهتماماته التي أصبحت تصاغ بشكل كبير من خلال التفاعل مع القرناء على منصات التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت تدور حول دور ما للشباب في تحديد مستقبلهم بعيدا عن المؤسسات التقليدية التي لم تعد تحظ بثقة عالية من جانبهم.