كيف نحقق كمال الحب والذل في الصلاة
جدول ال
كيف نحقق كمال الحب والذل في الصلاة، من أهم ما يتبادر إلى ذهن كل مؤمن عندما يقبل على أداء الصلاة امتثالًا لأوامر الله سبحانه وتعالى، ورغبةً في تحصيل الثواب ودخول الجنة، فالصلاة هي عمود الدين، والمسلم يؤديهال خمس مرات في اليوم الواحد، فهي تحافظ على استمرار اتصال العبد بربه سبحانه وتعالى، وتشرح صدر المسلم إلى استشعار حلاوة الإيمان وهو واقف بين يدي ربه جلّ عي علاه.
مفهوم الخشوع والتذلل لله سبحانه وتعالى في الصلاة
الخشوع لغة يعني الانخفاض والذل والسكون، فقد قَالَ تَعَالَى: “يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ ۖ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا“ [1], أَيْ سكنت، وذلّت، وَمِن ذلك وَصْفُ الْأَرْض في القرآن الكريم بِالْخُشُوعِ، كناية عن يبسها وانخفاضها وعدم ارتفاعها بِالريّ والنّبات،فقد قَالَ تَعَالَى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ“. [2] والله أعلم.[3]
وأما المفهوم الاصطلاحي للخشوع فقد اختلفت فيه عبارات أهل العلم، وخلاصته أنه تحقق كمال الخضوع والاستكانة والتذلل لله سبحانه وتعالى، ويكمن محل الخشوع في القلب, وأما أثره فيظهر على الجوارح، فبكون الانسان معظمًا لحرمات الله, وممتثلًا لأوامر الله, ومنقادًا لحكم الله, باكيًا من خشية الله سبحانه. وقال ابن القيم في شرح منازل السائرين: “وقد تعددت عبارات الناس وتنوعت في تعريف الخشوع وبيان حده، لكنهم أجمعوا كما ذكرنا على أن محله القلب، وأن ما يظهر منه على الجوارح هو ثمرة ما في القلب”، ومن الجدير بالذكر أن خشوع الجوارح دون تحقق الذل والخضوع لله تعالى في القلب أمر مذموم.[3]
كيف نحقق كمال الحب والذل في الصلاة
تتمثل كيفية تحقيق كمال الحب والذل والخشوع لله تعالى في الصلاة باستحضار بعض المشاعر القلبية، وبعض هذه المشاعر يكون قبل الصلاة؛ لتجهيز القلب وتفريغه من كل شوائب الدنيا، واستحضار الرغبة في الصلاة، وأخرى تكون أثناء القيام بأفعال الصلاة نفسها. ويمكن تلخيصها فيما يأتي: [4]
أعمال لتحقيق كمال الحب والذل لله قبل البدء بالصلاة
لتهيئة النفس قبل البدء بالصلاة أثرًا عظيمًا، وتتمثل الخطوات فيما يأتي:[4]
- معرفة الله: وهي أهم الطرق، فبها تنار القلوب وتستقيم الجوارح، عن طريق معرفة أسماء الله وصفاته واستحضار عظمة الله، واستشعار مراقبته ومعيته في الأمور كلها. ويكون ذلك بالتيقن بشهادة “لا إله إلا الله”، فيشعر القلب بتوقير الله سبحانه وتعالى والذل له في كل لحظة، ويتعلم الحياء من الله تعال.
- تعظيم قدر الصلاة: ويحصل تعظيم الصلاه بتعظيم المسلم لله تعالى، والإقبال عليه أثناءالصلاة، فعندما يستشعر أنه واقف بين يدي الله، ويستحضر المشهد العظيم، لا بد للجوارح أن تخشع، وللقلب أن يخضع، وللعين أن تدمع.
- الاستعداد للصلاة: الاستعدادك للصلاة والحرص على أدائها في وقتها وفي جماعة كل ذلك هو علامة على حب الله لك، ومن الاستعداد للصلاة أنك إذا قال:”حي على الصلاة حي على الفلاح”، أن تقول:”لا حول ولا قوة إلا بالله”.
- تعلم فقه الصلاة: وذلك لأن الجهل بأحكام الصلاة ينافي أداءها بإخلاص كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يكون لمن يجهل فقه الصلاة ثمرة كبيرة منها.
- اتخاذ السترة: وذلك حتى لا يشغلك أي شيء عنها، ولا يقطع خشوع المؤمن مارًا من الإنس أو الجن، فيكون سبباً في حرمانك من كمال الحب وحلاوة التذلل لله تعالى.
أعمال لتحقيق كمال الحب والذل لله أثناء الصلاة
ينبغي على المسلم المحب لله تعالى الخاشع الخاضع استحضار كل مشاعره في كل لحظة من الصلاة، من تكبيرة الإحرام إلى التسليم. ويمكن لما يأتي من أسباب الخشوع إعانتك على ذلك بإذن الله:[4]
- البدء بتكبيرة الإحرام: فأنت عندما تلبي نداء الله تعالى وتترك وراءك حطام الدنيا، فتكون تكبيرة الإحرام هي أول شجرة تقطف منها ثمرة الخشوع والذل.
- التأمل في دعاء الاستفتاح: وأدعيه الاستفتاح متعددة، وهي تشمل معاني التوحيد واستشعار عظمة الله تعالى، فتأملها يورث استشعار هذه المعاني العظيمة التي تهز القلب وتقوي الأنس بالله جل في علاه.
- تدبر القرآن في الصلاة: فتدبر القرآن من أعظم أسباب حصول كمال الحب في الصلاة؛ لما تشمله الآيات من الوعد وأحوال الموت ويوم القيامة وحديث أهل الجنة والنار وأخبار الرسل وما ابتلوا به من أقوامهم من الطرد والتعذيب، وما إلى ذلك مما يجلب إلى نفس المؤمن الاعتبار بعظيم ما تحويه آيات القرآن الكريم.
- التذلل لله في الركوع: وهو حالة يظهر فيها التذلل لله تعالى بانحناء الظهر والجبهة لله سبحانه، فيجب على المسلم أن يحسن التفكر في عظمة الله وسلطانه وملكوته أثناء الركوع، وأن يستحضر ذنوبه وتقصيره، ويظهر حاجته لله تعالى في غفران ذنبه وهدايته لما فيه خير الدارين.
- التقرب من الله في السجود: والسجود هو أعلى درجات التذلل وأظهر حالات الخضوع لله سبحانه وتعالى، ففي السجود يكون المسلم أقرب ما يمكن إلى ربه سبحانه، فيغفر له ويرفع درجاته بإذنه جلّ في علاه.
حكم تحقيق الخشوع في الصلاة
أكثر العلماء على أن حكم الخشوع في الصلاة هو الندب والاستحباب، أما أبو الوفاء بن عقيل من الحنابلة وأبو حامدٍ الغزالي من الشافعية وكثير من المالكية والحنفية فذهبو إلى أنه واجبٌ، أي أن الصلاة تبطل بتركه عند بعضهم، ولكن ما اعتمده المحققون هو عدم بطلان الصلاة بترك الخشوع، واستدلوا على ذلك من الأحاديث التي تناولت أن الاشتغال والتفكير في شيءٍ من أمور الدنيا لا يبطل الصلاة، فقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: “أميطي عنا قرامَك، فإن تصاويره لم تزل تعرضُ لي في صلاتي. ثم إنه لا يكادُ أحدٌ يسلم من مثل هذه الأمور”.[5]
والخشوع هو سرُ الصلاة الأعظم، فقد قال تعالى: “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ”، [6] فالصلاةٌ من دون خشوع مثل البدنٌ بلا روح، وبقدرِ الخشوع يكون الأجر، لكن من غلب عليه التفكير في أمور الدنيا في الصلاة فإنها تجزئه، فلا يطالبُ بالإعادة، ولكنه قد لا يخلو من الإثم إذا استمر بخواطر الدفس ولم يدافعها فضلاً، فالواجبُ على المسلم أن يجتهد في تحصيل الخشوع والأخذ بأسبابه لتقعَ صلاتُنا على أكمل وجه، وأن نجبر ما وقعنا به من نقص عن طريق الإكثار من النوافل، فالله يجبرُ بها نقص الفرائض، بالإضافة إلى المداومة على التوبة والاستغفار.[5]
الصلاه هي عمود الدين، وفيها يتوجه العبد إلى الله سبحانه وتعالى ليحدثه بغية غفران الذنوب ومحو الخطايا فمن المهم أن نعرف كيف نحقق كمال الحب والذل في الصلاة، حتى تنال القبول من الله خالق كل شيء جلّ في علاه.