من اثار التحاكم الى غير شرع الله على الفرد والمجتمع
جدول ال
هناك العديد من اثار التحاكم الى غير شرع الله على الفرد والمجتمع التي تولّد أخطر الانحرافات في المجتمع، حيث إن التحاكم إلى شرع الله واجب، والاحتكام إلى غير شرعه غير جائز، والناس في هذا الزمان يقعون به كثيرًا؛ فيتحاكمون عند العرافين والكُهَّان وكبار عشائر البادية، ورجال القانون الوضعي وأمثالهم، نتيجة لجهل بعضهم أو معاندة لله ورسوله، وسنحرص في هذا المقال على توضيح أهمِّ ما يتعلق بموضوع التحاكم إلى غير شرع الله تعالى.[1]
وجوب التحاكم الى شرع الله
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الجن والإنس لعبادته، فقد قال الله في محكم كتابه: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” [2]، وقد فسر العلماء كلمة العبادة بمعان متقاربة، ومنها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ إذ عرف العبادة بأنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، ممَّا يدلُّ على أنَّ العبادة تقتضي الانقياد التَّامَّ لله تعالى، في الأمر والنهي والاعتقاد والقول والعمل.[1]
يجب أن تكون حياة العبد قائمة على شريعة الله سبحانه وتعالى، بحيث يحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله، ويُخضع سلوكه وتصرفاته كلها لشرع الله، مجرِّدًا نفسه من حظوظ الدنيا ونوازع هواه، حتَّى يستوي بذلك الفرد والجماعة، والرجل والمرأة، فلا يكون عابدًا لله من خضع لربِّه في بعض الجوانب من حياته، وخضع للمخلوق في جوانب أخرى، وهذا يؤكده قول الله تعالى: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”،[3] وقوله سبحانه وتعالى: “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ”،[4] والله تعالى أعلم.[1]
من اثار التحاكم الى غير شرع الله على الفرد والمجتمع
إن للتحاكم إلى غير شرع الله آثارًا خطيرة، يمكن أن تعود بسلبيتها على الفرد والمجتمع، وفيما يأتي تفصيل في آثار التحاكم إلى غير شرع الله على الفرد والمجتمع:
من اثار التحاكم الى غير شرع الله على الفرد
الإنسان بمخالفته شرع الله سبحانه وتعالى يعرض نفسه إلى الضنك الذي يعاقب الله جلّ في علاه به من عصاه، ولم يستجب لأوامره، لأنه استبدل أحكام المخلوق بأحكام الله رب العالمين، ونبَذَ كلام الله ليأخذ بدلًا منه أقوال رجل من الناس، فمن يحتكم لغير شرع الله تعالى قد خسر الدُّنيا والآخرة، فهو لم يجنِ الفلاح والسعادة في الحياة الدنيا، ثم لم يسلمْ من عقاب الله سبحانه وتعالى وعذابه يوم القيامة، لأنه استحلّ ما حرم الله عليه.[1]
من اثار التحاكم الى غير شرع الله على المجتمع
إنَّ المسلم عندما يحكم عليه بما يوافق شريعة الله فإنَّه سوف يرضى بذلك ويقنع وإن لم يكنْ الحكم كما أراد، أو لم يناسب هواه، بخلاف ما إذا علم أنَّ الحكم صادر من بشر مثله، لهم أهواؤهم وشهواتهم ورغباتهم، فإنَّه لن يرضى وسوف يستمر في المخاصمة، فلا ينقطع النزاع، ويدوم الخلاف بين الناس، وينتشر الفساد والأحقاد في المجتمع، فالله سبحانه وتعالى عندما يوجب على العباد التحاكم إلى وحيه، رحمة بهم وإحسانا إليهم. [1]
الحكم على إيمان من يحكم بغير شرع الله
الانسان الذي يختار تحكيم القانون لا رغبة فيه، ولا تفضيلَ له، ولكن لمناسبته هواه، ورغبته ألا تقطع يده، مع علمهِ أنه عاص وأن حكم الله هو الواجب، فهذا لا يحكم بخروجه من الملة، لأنه مقرٌّ بالأصل، ومعترف بذنبه، فقد ذكر الشيخ ابن باز في معنى كلامه أنَّ الحكام بغير ما أنزل الله أقسام، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم، فالذي يحكم بغير ما أنزل الله لرؤيته أن ذلك أفضل من شرع الله، فهو كافر عند جميع المسلمين، ومثله الذي يحكم بالقوانين الوضعية بدلا من شرع الله، معتقدًا جواز ذلك، فإنه وإن قال إن تحكيم الشريعة أفضل، فهو كافر؛ لكونه استحل ما حرم الله.[5]
أما من حكم بغير ما أنزل الله اتباعًا لهواه، أو لرشوة، أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه، أو غير ذلك، وهو يعلم أنه عاص، وأن واجبه هو تحكيم شريعة الله، فهذا يعد من أهل المعاصي والكبائر، وقد أتى كفرًا أصغر، وفسقا أصغر، كما جاء هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن طاوس وجماعة من السلف الصالح، وهو المعروف عند أهل العلم، وأضاف الشيخ ابن عثيمين أنَّ من حكم بغير شرع الله دون استخفاف أو استهانة به، فهو ظالم وليس بكافر، وتختلف مراتب ظلمه حسب المحكوم به، ووسائل الحكم.[5]
الصور التي يعد فيها الاحتكام لغير شرع الله من نواقض الايمان
بعد الحديث عن اثار التحاكم الى غير شرع الله يمكن القول إنَّه هناك بعض الصور التي يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله كفرًا وخروجًا عن الملة، وناقضًا من نواقض الإيمان، وتتمثل هذه الصور في:[6]
- تشريع غير ما أنزل الله تعالى من الأحكام، واتباع ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس.
- جحود أو انكار الحاكم أحقية حكم الله عزَّ وجلَّ ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم على الأحكام الوضعية.
- تفضيل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى.
- المساواة بين حكم الله تعالى وحكم الطاغوت.
- إباحة الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله، أو اعتقاد أنَّ الحكم بما أنزل الله غير واجب، وهو مخيّر فيه.
- الحكم بما أنزل الله تعالى إباءً وامتناعًا.
- تشريع القانون الوضعي وتحكيمه، وهو أعظمها، وأظهرها معاندة للشرع، ومشاقّة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية.
ذكرنا فيما سبق بعضًا من اثار التحاكم الى غير شرع الله على الفرد والمجتمع، وعواقبه الوخيمة التي تعود بالضرر على جميع الأفراد. وما يؤدي إليه الاحتكام لغير شرع الله في أحوال التهاول والاستخفاف من نقض للإيمان والوقوع في الكفر والعياذ بالله.