:
أعلنت شركة ميرسك، عملاق الشحن الدنماركي، عن خطط لإعادة هيكلة شاملة لعملياتها، تتضمن تسريح الآلاف من الموظفين على مستوى العالم. تأتي هذه الخطوة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتراجع الطلب على خدمات الشحن البحري، مما يؤثر بشكل كبير على أداء شركة ميرسك. يشمل التغيير أيضًا استثمارًا مكثفًا في مجال الخدمات اللوجستية المتكاملة والحلول الرقمية.
تم الإعلان عن هذه الخطة في مطلع شهر فبراير 2024، وتستهدف بشكل رئيسي مكاتب ميرسك في كوبنهاغن والدنمارك بشكل عام، بالإضافة إلى مواقع أخرى في جميع أنحاء العالم. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 6,400 وظيفة ستتأثر بهذه التغييرات، ويهدف برنامج إعادة الهيكلة هذا إلى خفض التكاليف التشغيلية السنوية للشركة بنحو 6 مليارات كرونة دنماركية (حوالي 860 مليون دولار أمريكي) بحلول نهاية عام 2026.
تحديات تواجه ميرسك في ظل التغيرات الاقتصادية
تواجه ميرسك، مثلها مثل شركات الشحن الأخرى، تحديات كبيرة بسبب التغيرات الأخيرة في الاقتصاد العالمي. بعد فترة من الازدهار خلال جائحة كوفيد-19، والتي شهدت ارتفاعًا هائلاً في أسعار الشحن بسبب تعطيل سلاسل الإمداد، يشهد القطاع حاليًا تراجعًا في الطلب. يعود ذلك إلى عدة عوامل، بما في ذلك ارتفاع معدلات التضخم، وتشديد السياسات النقدية، وتباطؤ النمو في الاقتصادات الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة.
انخفاض الطلب على الشحن
أظهرت البيانات الصادرة عن شركات الاستشارات اللوجستية انخفاضًا ملحوظًا في حجم البضائع المنقولة بحرًا في الأشهر الأخيرة. يعزى هذا الانخفاض إلى انخفاض الطلب على السلع الاستهلاكية، بالإضافة إلى تراكم المخزون لدى العديد من الشركات. كما أن التوترات الجيوسياسية المستمرة، مثل الصراع في البحر الأحمر، تضيف إلى حالة عدم اليقين وتعطيل حركة التجارة العالمية.
التحول نحو الخدمات اللوجستية المتكاملة
تسعى ميرسك إلى تنويع أعمالها وتقليل اعتمادها على الشحن التقليدي، من خلال التركيز بشكل أكبر على تقديم خدمات لوجستية متكاملة. يشمل ذلك تقديم حلول متكاملة لإدارة سلسلة الإمداد، بدءًا من النقل وحتى التخزين والتوزيع. تهدف الشركة أيضًا إلى الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية، مثل منصات التجارة الإلكترونية وتحليلات البيانات، لتحسين كفاءة عملياتها وتقديم قيمة مضافة لعملائها. يشكل هذا التحول جزءًا من استراتيجية أوسع تتبناها الشركة للبقاء في طليعة المنافسة في قطاع الشحن المتغير.
تأتي إعادة الهيكلة بعد فترة من الاستثمارات الكبيرة التي قامت بها ميرسك في السنوات الأخيرة. شملت هذه الاستثمارات الاستحواذ على شركات لوجستية أخرى، وتوسيع أسطول سفنها، وتطوير بنيتها التحتية الرقمية. ومع ذلك، يبدو أن هذه الاستثمارات لم تكن كافية لتعويض تأثير التراجع في الطلب على الشحن.
تعتزم ميرسك دمج بعض وظائف الإدارة وتبسيط هياكلها التنظيمية. يهدف هذا الدمج إلى تقليل التكاليف الإدارية وتحسين التواصل والتنسيق بين مختلف أقسام الشركة. كما تخطط الشركة لزيادة استخدام الأتمتة والذكاء الاصطناعي في عملياتها لزيادة الكفاءة وخفض الأخطاء. بالإضافة إلى ذلك، تعمل ميرسك على تطوير حلول نقل أكثر استدامة، مثل استخدام الوقود البديل وتقليل الانبعاثات الكربونية، استجابةً للضغوط المتزايدة من العملاء والجهات التنظيمية.
أثرت هذه التطورات على سهم ميرسك في بورصة كوبنهاغن، حيث شهد انخفاضًا ملحوظًا بعد الإعلان عن خطة إعادة الهيكلة. ويتوقع المحللون أن تستمر أسعار الأسهم في التذبذب في المدى القصير، حيث يراقب المستثمرون عن كثب تأثير هذه التغييرات على أداء الشركة المالي. تعتبر ميرسك من أهم الشركات في قطاع النقل البحري، وتعتبر مؤشرًا رئيسيًا على صحة التجارة العالمية.
من الجدير بالذكر أن تأثر قطاع الشحن ليس قاصرًا على ميرسك. فقد أعلنت شركات شحن أخرى، مثل ميديترانيان شيبينج (MSC) وهاباج-لويد (Hapag-Lloyd)، عن خطط مماثلة لخفض التكاليف وإعادة هيكلة عملياتها. تعكس هذه التطورات حالة عدم اليقين التي يمر بها قطاع الشحن العالمي، والتحديات التي تواجهها الشركات في ظل التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية.
تتعاون ميرسك مع الحكومات والمنظمات الدولية لتقليل تأثير هذه التغييرات على الموظفين المتضررين. ويشمل ذلك تقديم برامج تدريبية لمساعدتهم في البحث عن وظائف جديدة، بالإضافة إلى تقديم تعويضات مالية ومزايا أخرى. تهدف الشركة إلى التعامل مع هذه العملية بأكبر قدر ممكن من الشفافية والمسؤولية الاجتماعية.
الخطوة التالية المتوقعة من ميرسك هي البدء في تنفيذ خطة التسريح، والتي من المتوقع أن تستمر على مدى عدة أشهر. وستراقب الصناعة عن كثب كيفية تأثير هذه التغييرات على أداء الشركة وقدرتها على التكيف مع الظروف الجديدة. من المهم أيضًا متابعة التطورات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، حيث أنها يمكن أن تؤثر بشكل كبير على مستقبل قطاع الشحن.
