شهدت مشاركة الصين في مشاريع التعدين في القطب الشمالي، وتحديداً في كندا وأمريكا وجرينلاند، انخفاضاً ملحوظاً منذ عام 2019. وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع تعزيز روسيا لوجودها في هذه المشاريع، مدفوعة بالتقارب الجيوسياسي والاقتصادي المتزايد بين بكين وموسكو. وتُظهر دراسة حديثة لمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة تحولاً في ديناميكيات الاستثمار في المنطقة، مع تزايد الاهتمام بالمعادن الحرجة.
تراجع الاستثمار الصيني في التعدين بالقطب الشمالي
أصبح القطب الشمالي بؤرة للتنافس الاستراتيجي العالمي، وفقاً للدراسة، وذلك بسبب تزايد المخاوف بشأن إمدادات المعادن الضرورية للاقتصاد العالمي، والدور المركزي الذي تلعبه الصين في استخراجها ومعالجتها. تعتبر المعادن والمواد الخام الأساسية عنصراً حيوياً في دعم النمو الاقتصادي الصيني، خاصة مع استمرار البلاد في تحديث وتطوير بنيتها التحتية.
حللت الدراسة 38 مشروعاً تعدينياً في كندا وألاسكا وجرينلاند وروسيا، استثمرت فيها الصين بين عامي 2008 و 2024. وكشفت عن خروج الصين من 17 مشروعاً، كان النصيب الأكبر منها في كندا، حيث تم إنهاء 12 مشروعاً، تليها 4 مشاريع في جرينلاند ومشروع واحد في روسيا. بالإضافة إلى ذلك، هناك مشروعان في كندا معلقان حالياً، ومشروع آخر في جرينلاند ينتظر البيع.
أسباب التراجع في كندا وألاسكا
بين عامي 2005 و 2022، كانت كندا الوجهة الرئيسية للاستثمار الصيني في قطاع التعدين بالقطب الشمالي، حيث شملت استثماراتهم 34 مشروعاً، بالإضافة إلى امتلاك حصص في ما لا يقل عن 27 شركة تعدين كندية مدرجة. لكن هذا التوجه تغير بشكل كبير، حيث تشارك الصين حالياً في 14 مشروعاً فقط حتى نهاية عام 2025.
يعزى هذا الانخفاض بشكل رئيسي إلى الإجراءات الحكومية الكندية، بما في ذلك عمليات البيع القسري لبعض المشاريع المتعلقة بمواد خام البطاريات، وذلك لأسباب تتعلق بالأمن الاقتصادي. كما ساهم الاستحواذ على الشركات التي كانت للشركات الصينية حصص فيها في تقليص وجودها في السوق الكندية.
أعربت بعض شركات التعدين الكندية عن استيائها من هذه الإجراءات، حيث كانت تعتمد على رأس المال الصيني لتمويل مشاريعها. وفي ألاسكا، تراجعت حصة الصين في منجم Red Dog للزنك من 17.2% في عام 2005 إلى 5.4% بحلول فبراير 2025.
الانسحاب من جرينلاند والتوجه نحو روسيا
كما شهدت جزيرة جرينلاند انسحاباً للشركات الصينية من 4 مشاريع من أصل 5، وذلك بسبب صعوبات مالية وظروف تجارية غير مواتية. وقد تم الانسحاب إما طواعية أو عن طريق إلغاء التراخيص.
في المقابل، تشير الدراسة إلى زيادة في مشاركة الصين في مشاريع المعادن في روسيا منذ عام 2015، مع إطلاق 5 مشاريع جديدة، و4 منها بدأت في عام 2019 أو بعده. يعكس هذا التحول قوة العلاقات بين الصين وروسيا، وحاجة روسيا المتزايدة إلى الاستثمار الأجنبي، خاصة في ظل العقوبات الدولية.
على الرغم من أن مشروعاً واحداً فقط من المشاريع الستة التي شملتها الدراسة قد انتهى بسبب تأخيرات في خطة التطوير، إلا أن الموارد الغنية في روسيا تظل جذابة للشركات الصينية. ومع ذلك، قد لا يشهد مستوى المشاركة الصينية زيادة كبيرة إلا بعد رفع العقوبات الدولية عن روسيا.
مستقبل التعدين في القطب الشمالي
تُظهر البيانات أن القطب الشمالي سيظل منطقة ذات أهمية استراتيجية متزايدة في مجال تعدين المعادن. من المتوقع أن تستمر المنافسة بين الدول، خاصة بين الصين والغرب، على الوصول إلى هذه الموارد.
بالنظر إلى التكاليف المرتفعة للعمل في القطب الشمالي، فإن معظم رواسب المعادن الحيوية لن تكون مجدية اقتصادياً إلا بدعم حكومي كبير، وهو الدعم الذي تقدمه الصين لشركاتها.
في الأشهر القادمة، من المهم مراقبة التطورات المتعلقة بالعقوبات الدولية المفروضة على روسيا، وتأثيرها على الاستثمار الصيني في قطاع المعادن هناك. كما يجب متابعة السياسات الحكومية في كندا والولايات المتحدة، ومدى تأثيرها على مشاركة الشركات الصينية في مشاريع التعدين. من المتوقع أن يتم إجراء تقييم شامل للاستثمارات الصينية في المنطقة بحلول نهاية عام 2025.
