شهدت أسواق الذهب والفضة قفزة تاريخية يوم الاثنين، حيث ارتفعت أسعار الذهب إلى مستوى قياسي جديد مدفوعة بتوقعات متزايدة بخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تزايد الطلب على الذهب كملاذ آمن في ظل الأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة. وواصلت الفضة زخمها الصاعد لتسجل بدورها أعلى مستوى لها على الإطلاق. هذا الارتفاع يعكس تحولاً ملحوظاً في استراتيجيات المستثمرين.
وقد سجل سعر الذهب الفوري ارتفاعاً بنسبة 1.2% ليصل إلى 4,391.92 دولار للأونصة، بينما ارتفعت الفضة بنسبة 2.7% لتصل إلى 69.23 دولار للأونصة. يأتي هذا التطور في أعقاب فترة من المكاسب القوية لكلا المعدنين على مدار العام.
أداء الذهب والفضة القياسي
حقق الذهب مكاسب سنوية غير مسبوقة بلغت 67% منذ بداية العام، وهو أكبر ارتفاع له منذ عام 1979. وقد تجاوز سعر الأونصة الواحدة عتبتي 3,000 و4,000 دولار لأول مرة في تاريخه. يعزى هذا الأداء القوي إلى عدة عوامل متضافرة.
في المقابل، تفوقت الفضة على أداء الذهب هذا العام، حيث ارتفعت بنسبة مذهلة بلغت 138% منذ بداية العام. يعكس هذا الارتفاع الكبير الطلب المتزايد على الفضة في القطاعات الصناعية والاستثمارية.
العوامل المحركة لارتفاع الأسعار
يرى محللون أن الطلب القوي على الذهب والفضة مدفوع بتصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية العالمية، بالإضافة إلى عمليات الشراء المستمرة من قبل البنوك المركزية حول العالم. وتشير التقارير إلى أن البنوك المركزية تسعى إلى تنويع احتياطياتها من العملات الأجنبية وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي.
بالإضافة إلى ذلك، ساهمت التوقعات بخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة خلال العام المقبل في دعم أسعار المعادن الثمينة. فانخفاض أسعار الفائدة يجعل الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين، حيث لا يحقق عائداً ثابتاً مثل السندات.
كما أن ضعف قيمة الدولار الأمريكي أدى إلى زيادة جاذبية الذهب للمشترين من خارج الولايات المتحدة، مما ساهم في ارتفاع الطلب وبالتالي الأسعار. فكلما انخفضت قيمة الدولار، أصبح الذهب أرخص بالنسبة للمستثمرين الذين يحملون عملات أخرى.
تأثير الارتفاع على المعادن الأخرى
لم يقتصر الارتفاع على الذهب والفضة فحسب، بل امتد ليشمل معادن نفيسة أخرى. فقد قفز سعر البلاتين بنسبة 4.1% ليصل إلى 2,054.25 دولار، وهو الأعلى له منذ أكثر من 17 عاماً. يعزى هذا الارتفاع إلى زيادة الطلب على البلاتين في صناعة السيارات، حيث يستخدم في محولات الحفازة لتقليل الانبعاثات الضارة.
فيما ارتفع سعر البلاديوم بنسبة 4% ليصل إلى 1,781.32 دولار، وهو مستوى قريب من أعلى سعر له في نحو ثلاث سنوات. يعتبر البلاديوم عنصراً أساسياً في صناعة السيارات أيضاً، وقد تأثرت أسعاره بتخوفات بشأن نقص الإمدادات.
الحذر في نهاية العام
على الرغم من الزخم القوي، يحذر بعض المحللين من أن الارتفاع السريع في الأسعار قد يدفع بعض المستثمرين إلى الحذر وجني الأرباح مع اقتراب نهاية العام. كما أن تراجع أحجام التداول قد يزيد من تقلبات الأسعار.
ويرى خبراء أن شهر ديسمبر عادة ما يشهد عوائد إيجابية على الذهب والفضة، إلا أن الظروف الحالية قد تكون مختلفة. ويجب على المستثمرين مراقبة التطورات الاقتصادية والجيوسياسية عن كثب لاتخاذ قرارات مستنيرة.
بالإضافة إلى الذهب، يراقب المستثمرون عن كثب أداء أسعار المعادن الصناعية مثل النحاس والألومنيوم، حيث يمكن أن توفر مؤشرات حول قوة الاقتصاد العالمي. كما أن تطورات أسعار النفط يمكن أن تؤثر على تكاليف الإنتاج وبالتالي على أسعار المعادن.
من المتوقع أن تستمر أسعار الذهب والفضة في التذبذب في المدى القصير، حيث تتأثر بالعديد من العوامل المتغيرة. ومع ذلك، فإن التوقعات طويلة الأجل لا تزال إيجابية، خاصة في ظل استمرار التوترات الجيوسياسية وتوقعات استمرار البنوك المركزية في شراء الذهب.
سيراقب السوق عن كثب بيانات التضخم الأمريكية القادمة وقرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل، والتي من المقرر أن تعقد في منتصف ديسمبر. وستكون هذه البيانات والقرارات حاسمة في تحديد مسار أسعار الذهب في الأشهر المقبلة.
