تُجرّب العديد من المدن والمقاطعات الأمريكية مفهومًا جديدًا: تقديم أموال مجانية شهريًا للسكان المعرضين للخطر المالي دون توقع أي شيء في المقابل. هذا البرنامج، المعروف باسم الدخل الأساسي المضمون، يهدف إلى تمكين هؤلاء الأفراد من تحديد أفضل طريقة لإنفاق الأموال الإضافية بأنفسهم، بدلاً من تقييدها على سلع أو خدمات معينة. على الرغم من الإبلاغ عن نتائج إيجابية في الغالب عند انتهاء هذه البرامج، إلا أن القليل منها فقط يتم إقراره بشكل دائم.
مقاطعة كوك في إلينوي، والتي تشمل مدينة شيكاغو، هي الآن استثناء لهذه القاعدة. فقد وافق مجلس مفوضي مقاطعة كوك بالإجماع على مقترح ميزانية عام 2026 يوم الخميس، والذي يتضمن تخصيص 7.5 مليون دولار لبرنامج الدخل الأساسي المضمون. هذا القرار يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي في المنطقة.
ما هو الدخل الأساسي المضمون ومسيرة تطوره؟
الدخل الأساسي المضمون هو برنامج للرعاية الاجتماعية تقدم فيه الحكومة مدفوعات نقدية منتظمة وغير مشروطة لسكان معينين لفترة محددة. غالبًا ما يستوفي المستفيدون معايير محددة، مثل امتلاكهم دخلًا أسريًا قريبًا من خط الفقر. يهدف البرنامج إلى توفير مستوى أساسي من الأمن المالي للأفراد والأسر الأكثر حاجة.
يختلف الدخل الأساسي المضمون عن الدخل الأساسي الشامل. فالدخل الأساسي الشامل يقدمه الحكومة لجميع الأفراد في المجتمع بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، بينما يركز الدخل الأساسي المضمون على الفئات الأكثر عرضة للخطر، مثل ذوي الدخل المنخفض.
تجربة مقاطعة كوك
أجرت مقاطعة كوك تجربة للدخل الأساسي المضمون على مدار عامين. خلال هذه الفترة، قدمت 500 دولار شهريًا لـ 3200 أسرة. وقد توقف صرف آخر دفعة في يناير الماضي. نتائج التجربة أظهرت تأثيرًا إيجابيًا على حياة المستفيدين.
أظهرت نتائج استطلاعات الرأي التي أجرتها مقاطعة كوك على المستفيدين من المدفوعات النقدية بين عامي 2022 و 2025 أن غالبية المشاركين شعروا بتحسن في أمنهم المالي، وانخفاض في مستويات التوتر لديهم، وتحسن في صحتهم النفسية. وقد تم استخدام الأموال بشكل أساسي لتغطية نفقات مثل الغذاء والإيجار وفواتير الخدمات والنقل.
أسباب تبني برنامج الدخل الأساسي المضمون
هناك عدة دوافع تدفع الحكومات إلى تبني برامج الدخل الأساسي المضمون. من بين هذه الدوافع الرغبة في الحد من الفقر وعدم المساواة، وتحسين الصحة العامة، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، فإن برنامج الدخل الأساسي المضمون يمكن أن يوفر شبكة أمان للأفراد الذين فقدوا وظائفهم أو يواجهون صعوبات اقتصادية.
شخصيات بارزة في مجال التكنولوجيا، مثل إيلون ماسك والرئيس التنفيذي لشركة OpenAI سام ألتمان، قد أعربوا علنًا عن دعمهم لبرامج الدخل الأساسي المضمون كطريقة للتخفيف من الآثار المحتملة للذكاء الاصطناعي على الوظائف. يعتقد هؤلاء القادة أن الأتمتة المتزايدة قد تؤدي إلى فقدان الوظائف على نطاق واسع، وأن الدخل الأساسي المضمون يمكن أن يساعد في حماية العمال المتضررين.
وليس هذا التوجه حكرًا على الولايات المتحدة. فقد بدأت حكومات حول العالم في استكشاف برامج الدخل الأساسي المضمون. على سبيل المثال، أيرلندا جعلت برنامج الدخل الأساسي المخصص للفنانين دائمًا، بينما تستعد كوريا الجنوبية لإطلاق أحد أكبر البرامج من نوعه في العالم. هذه التطورات تشير إلى اعتراف عالمي متزايد بأهمية توفير شبكات أمان اجتماعي قوية.
تحديات ومستقبل الدخل الأساسي المضمون
على الرغم من الفوائد المحتملة، فإن تنفيذ برامج الدخل الأساسي المضمون يواجه بعض التحديات. من بين هذه التحديات تكلفة البرنامج، وتحديد معايير الأهلية، ومخاوف بشأن الآثار المحتملة على حوافز العمل. يتطلب التغلب على هذه التحديات تخطيطًا دقيقًا وتقييمًا مستمرًا.
غالباً ما تكون الاستمرارية التمويلية هي العائق الأكبر أمام جعل هذه البرامج دائمة. إثبات فعالية البرنامج على المدى الطويل أمر بالغ الأهمية لتأمين الدعم السياسي والمالي المستمر.
من المتوقع أن تبدأ مقاطعة كوك في تنفيذ برنامجها الجديد للدخل الأساسي المضمون في عام 2026. سيكون من المهم مراقبة تأثير البرنامج على حياة المستفيدين، وتقييم فعاليته كمصدر للأمن المالي والرفاهية. ستشكل نتائج هذا البرنامج سابقة مهمة للمقاطعات والمدن الأخرى التي تفكر في تبني مبادرات مماثلة. بالإضافة إلى ذلك، من المهم متابعة التطورات في البرامج المماثلة في أيرلندا وكوريا الجنوبية والبلدان الأخرى لمعرفة الدروس المستفادة وتحديد أفضل الممارسات.
تبقى مسألة الدعم المجتمعي والسياسي لبرامج مثل الدخل الأساسي المضمون أمرًا حاسمًا. فلا يمكن لنجاح هذه البرامج أن يتحقق إلا من خلال توافق الآراء وقناعة بأنها استثمار ضروري في مستقبل المجتمع.
