نشرت مؤخرًا مقابلات مع نيك ليزون، المتداول السابق في المشتقات المالية والمسؤول عن انهيار بنك بارينغز العريق في لندن، والذي استمر لمدة 233 عامًا. وتناولت المقابلات تفاصيل أسلوب حياة المصرفيين في سنغافورة، وكيفية وقوع التداولات غير القانونية، والعلامات المبكرة للاحتيال المالي. يمثل اسم نيك ليزون مرادفًا للمخاطرة المفرطة والانهيار المالي في عالم المال.

تعود القصة إلى التسعينيات، حيث عمل ليزون في مكتب بارينغز في سنغافورة. قام ليزون بسلسلة من التداولات المضاربية غير المصرح بها، والتي أدت في النهاية إلى خسائر بلغت 1.2 مليار دولار أمريكي. وقد أدت هذه الخسائر الفادحة إلى إفلاس بنك بارينغز، الذي كان يعتبر رمزًا للاستقرار المالي في المملكة المتحدة.

نيك ليزون وانهيار بارينغز: نظرة على الأسباب والتداعيات

انضم ليزون إلى بارينغز عام 1989، وتولى إدارة عمليات العقود الآجلة الجديدة في سنغافورة بحلول عام 1992. بدأ في إخفاء الخسائر في حساب أخطاء سري يحمل الرقم “88888”، مما أتاح له إخفاء حجم رهاناته عن إدارة البنك في لندن.

تفاقمت الخسائر تدريجيًا مع تزايد المخاطرة في تداولات “Long Straddle” التي اعتمدها ليزون. وقد تضاعفت المخاطر بعد زلزال كوبي عام 1995، مما أدى إلى تفاقم الخسائر بشكل كبير، ووضع حدًا لوجود البنك.

التداولات غير القانونية وعمليات الإخفاء

وفقًا لما ذكره ليزون في مقابلاته، فإن التداولات غير القانونية لم تكن نتيجة لخطأ واحد، بل سلسلة من القرارات الخاطئة والتغطية على الأخطاء السابقة. كانت هناك ثغرات في الرقابة الداخلية للبنك، مما سمح لليزون بتجاوز الإجراءات المعتادة وتنفيذ تداولات غير مصرح بها.

أدى استخدام حساب الأخطاء السري إلى إخفاء الخسائر عن التدقيق الخارجي، مما أخر اكتشاف الاحتيال. وقد ساهمت أيضًا ثقافة العمل في البنك، التي كانت تركز على تحقيق الأرباح بأي ثمن، في تشجيع ليزون على تحمل المزيد من المخاطر.

الهروب والمحاكمة والعواقب

بعد انكشاف الخسائر، فر ليزون إلى ماليزيا، لكنه سرعان ما تم القبض عليه وتسليمه إلى سنغافورة. حُكم عليه بالسجن لأكثر من أربع سنوات بتهمة الاحتيال.

في عام 1999، نشر ليزون مذكراته التي تحولت لاحقًا إلى فيلم بعنوان “Rogue Trader”. وقد قدمت هذه المذكرات والفيلم نظرة ثاقبة على الأحداث التي أدت إلى انهيار بارينغز، وعلى دوافع ليزون وأساليبه.

التحول إلى مستشار ومحقق خاص

بعد إطلاق سراحه، تحول ليزون إلى متحدث رئيسي في المؤتمرات والفعاليات المختلفة، حيث يقدم استشارات للشركات حول المخاطر والمسؤولية المؤسسية. ويستفيد من تجربته الشخصية في تحذير الشركات من مخاطر التداول غير القانوني وأهمية الرقابة الداخلية.

منذ عام 2023، يعمل ليزون كمحقق خاص، ويتعامل مع قضايا تتعلق بسوء السلوك المالي. ويستخدم خبرته في مجال التداول والتحليل المالي للكشف عن الاحتيال وتحديد المسؤولين عنه.

بالإضافة إلى ذلك، يقدم ليزون بودكاست بعنوان “Rogue Trader”، حيث يناقش قضايا تتعلق بالأسواق المالية والمخاطر والتحليل الفني. ويستضيف في البودكاست خبراء في المجال المالي لمناقشة أحدث التطورات والاتجاهات.

أهمية إدارة المخاطر والرقابة الداخلية

تعتبر قصة ليزون وبارينغز بمثابة درس قاسٍ حول أهمية إدارة المخاطر والرقابة الداخلية في المؤسسات المالية. فقد أظهرت القصة كيف يمكن لعدم كفاية الرقابة أن يؤدي إلى خسائر فادحة وانهيار مؤسسة عريقة.

تؤكد العديد من الدراسات على أن الشركات التي لديها أنظمة قوية لإدارة المخاطر والرقابة الداخلية تكون أقل عرضة للاحتيال والأزمات المالية. وتشمل هذه الأنظمة الفصل بين المهام، والتدقيق المنتظم، والإبلاغ عن المخالفات، وتطبيق سياسات وإجراءات واضحة.

تعتبر الاحتيال المالي والمخاطر التشغيلية والرقابة المصرفية من القضايا الرئيسية التي تثيرها قصة ليزون. وتشير التحليلات إلى أن هذه القضايا لا تزال ذات أهمية كبيرة في القطاع المالي اليوم.

من المتوقع أن يستمر ليزون في عمله كمحقق خاص ومستشار في مجال المخاطر، وأن يواصل تقديم رؤى قيمة حول الدروس المستفادة من انهيار بارينغز. ومع تزايد تعقيد الأسواق المالية، تزداد الحاجة إلى خبراء في مجال إدارة المخاطر والرقابة الداخلية. وستظل قصة ليزون بمثابة تذكير دائم بأهمية هذه القضايا.

المزيد من المعلومات متوفرة على:

https://www.nmplive.co.uk/nick-leeson

و

https://www.nickleeson.com/

شاركها.