تزايدت التكهنات مؤخرًا حول إمكانية تدخل صناديق الثروة السيادية في منطقة الشرق الأوسط في عمليات الاستحواذ على شركات إعلامية أمريكية كبرى، وتحديدًا في محاولة شركة باراماونت للاستحواذ على شركة وارنر براذرز ديسكفري. هذه التحركات تثير تساؤلات حول مستقبل صناعة الإعلام الأمريكية وتأثير الاستثمار الأجنبي عليها.
تضارب الأنباء حول تمويل صفقة باراماونت ووارنر براذرز ديسكفري
في البداية، نشرت مجلة فارايتي تقريرًا يفيد بأن عرض باراماونت للاستحواذ على وارنر براذرز ديسكفري يحظى بدعم من السعودية وقطر وأبو ظبي. لكن سرعان ما تراجعت المجلة عن هذا الخبر بعد نفي صريح من جانب العلاقات العامة لشركة باراماونت، واصفةً التقرير بأنه “غير دقيق على الإطلاق”.
ومع ذلك، لم تكن فارايتي المنشور الوحيد الذي أشار إلى احتمال اهتمام عائلة إليسون، مالكة باراماونت، بالشراكة مع دول بترولية لتمويل الصفقة التي تقدر قيمتها بـ 71 مليار دولار. ففي نفس اليوم، ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن ديفيد إليسون قد التقى بمسؤولين من صندوق الاستثمار العام السعودي وآخرين من المنطقة بعد أن أعربوا عن اهتمامهم بالمشاركة في العرض. كما أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن صندوق الثروة السيادية السعودي قد يكون جزءًا من الصفقة.
لم تصدر شركة باراماونت أي تعليق رسمي على هذه التقارير، في حين لم يرد صندوق الاستثمار العام السعودي على طلب للتعليق.
تزايد اهتمام الدول البترولية بصناعة الإعلام
هذا الاهتمام المتزايد من جانب الدول البترولية بالاستثمار في الأصول الإعلامية الأمريكية ليس بالأمر الجديد. ففي السنوات الأخيرة، قامت السعودية بإنشاء دوري غولف خاص بها وجذبت لاعبين بارزين، واشترت نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم، وقامت بتمويل صفقة استحواذ على شركة الفيديو جيم الشهيرة إلكترونيك آرتس بقيمة 55 مليار دولار.
هناك جدل مستمر حول ما إذا كانت هذه الصفقات تهدف إلى “تبييض السمعة” (greenwashing) أم أنها تعكس اهتمامًا حقيقيًا بتحقيق الأرباح والتركيز على الصفقات التي يمكن أن تجلب التكنولوجيا والمعرفة إلى البلاد.
تأثير الاستثمار الأجنبي على صناعة الإعلام الأمريكية
يشير المحللون إلى أن الشركات الأمريكية أصبحت أكثر انفتاحًا على تلقي الأموال من الدول البترولية، خاصةً في ظل الحاجة إلى تمويل الصفقات الكبيرة. وقد شهدنا في الماضي أمثلة على استثمارات أجنبية في وسائل الإعلام الأمريكية، مثل استحواذ روبرت مردوخ الأسترالي الأصل على شبكة فوكس، واستحواذ شركة سوني اليابانية على كولومبيا بيكتشرز، واستحواذ مجموعة فيفندي الفرنسية على يونيفرسال ستوديوز.
ومع ذلك، فإن بعض الأموال تكون أكثر صعوبة في قبولها من غيرها. فقد أثار جدلًا كبيرًا قبول مجموعة من الكوميديين البارزين شيكات كبيرة مقابل الأداء في مهرجان مدعوم من السعودية. كما أن هناك مخاوف بشأن الضغوط المحتملة – الصريحة أو الضمنية – التي قد تمارس على شركة إعلامية لإنشاء محتوى يكون أكثر قبولًا للدولة التي تقدم التمويل.
الخلفية السياسية وتأثيرها على الاستثمارات
كانت هناك فترة من التردد في الاستثمار مع الدول البترولية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018، حيث سعت العديد من الشركات الأمريكية إلى الابتعاد عن الأموال السعودية. لكن هذا التردد سرعان ما تلاشى، حيث يرى العديد من قادة الإعلام والتكنولوجيا أنه ليس لديهم خيار سوى العمل مع السعودية وغيرها من الدول البترولية لأنها تمتلك الأموال اللازمة.
تتزايد أيضًا الجهود التي تبذلها إدارة ترامب لجذب الاستثمارات الأجنبية، متجاهلةً الانتقادات المتعلقة بمقتل خاشقجي.
نظرة مستقبلية
من المتوقع أن تتضح الصورة بشكل أكبر خلال الأسابيع القادمة فيما يتعلق بمسار صفقة باراماونت ووارنر براذرز ديسكفري. سيكون من المهم مراقبة أي تطورات جديدة بشأن مشاركة صناديق الثروة السيادية، بالإضافة إلى ردود الفعل المحتملة من الجهات التنظيمية والجمهور. يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه الصفقة ستشكل سابقة لزيادة التدفقات المالية من الشرق الأوسط إلى صناعة الإعلام الأمريكية، وما هي التداعيات المحتملة لذلك على المحتوى والرقابة.
