أكد مارك أندريسن، المستثمر الرأسمالي البارز، أن الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي تتطلب طرح الأسئلة الصحيحة، مشيرًا إلى أن هذه الأدوات يمكن أن تعمل كأفضل مدرب أو مرشد أو مستشار في العالم. جاءت تصريحات أندريسن خلال حلقة حديثة من بودكاست “a16z”، حيث وصف الذكاء الاصطناعي بأنه أكثر التقنيات ديمقراطية على الإطلاق، نظرًا لسهولة الوصول إلى أحدث نماذجه عبر التطبيقات المختلفة.

وأضاف أندريسن، المؤسس المشارك لشركة Andreessen Horowitz، أن قوة الذكاء الاصطناعي الحقيقية تكمن في اعتباره شريكًا في التفكير. وأوضح أن القدرة على صياغة الاستفسارات المناسبة هي جزء أساسي من فن استخدام الذكاء الاصطناعي، وأن هذا ينطبق على مختلف المجالات، بدءًا من إدارة الأعمال الصغيرة وحتى تطوير المنتجات.

كيفية تحقيق أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي

واستشهد أندريسن بمثال صاحب المخبز الذي يمكنه تغذية الذكاء الاصطناعي ببيانات متنوعة مثل جداول الموظفين، ورسائل العملاء، والنصوص الإعلانية، ليقوم النموذج بتحليلها وتقديم النقد البناء. وبالمثل، يمكن للمطورين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين وصفاتهم، من خلال طلب أفضل وصفة لفطيرة القرفة في العالم، ثم العمل على تعديلها بناءً على ذلك.

ولتحقيق ذلك، اقترح أندريسن استخدام ما يسمى بـ “الاستعلامات التمهيدية” (meta prompts)، وهي استعلامات تساعد المستخدمين على تحديد أفضل الأسئلة التي يمكن طرحها على الذكاء الاصطناعي. هذه الاستعلامات تساهم في الكشف عن النقاط العمياء وإعادة تشكيل طريقة التفكير والتعامل مع المشكلات. يجب على المستخدمين سؤال الذكاء الاصطناعي صراحةً: “ما هي الأسئلة التي يجب أن أطرحها؟” أو “علمني كيف أستخدمك بأفضل طريقة”.

أهمية السياق في حوارات الذكاء الاصطناعي

يتفق قادة التكنولوجيا الآخرون مع أندريسن على أن القدرة على صياغة الاستعلامات (prompting) هي مفتاح إطلاق العنان للإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي. فقد ذكر أندرو نج، مؤسس Google Brain، في قمة Masters of Scale 2025 في أكتوبر الماضي، أن إجراء “حوار مطول” مع النموذج ينتج عنه استجابات أفضل.

وأشار نج إلى أن الذكاء الاصطناعي يتمتع بذكاء عالٍ، لكن توفير السياق اللازم له يمثل تحديًا. وذكر أنه يستخدم الذكاء الاصطناعي في وضع الصوت (voice mode) لطرح أفكار عمل جديدة أثناء القيادة.

في السياق ذاته، أكد مات بارينغتون، كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة EY لأمريكا، في مقابلة مع Business Insider، على أهمية إدارة السياق في تفاعلات الذكاء الاصطناعي. وأضاف أنه يحتفظ بـ “مساحات عمل” منفصلة للذكاء الاصطناعي تركز على مجالات مختلفة، مثل الإجابة على الأسئلة التقنية أو صياغة المراسلات مع العملاء.

وتابع بارينغتون أنه يقدم للذكاء الاصطناعي تعليمات واضحة بشأن أسلوب الاستجابة وعمقها، مثل طلب “ملخص موجز على شكل نقاط” أو “التصرف كخبير مالي” أو “الإشارة إلى مصادر ومراجع موثوقة وتقديم روابط لها”. هذه الإرشادات تضمن الحصول على إجابات دقيقة ومفيدة.

يعكس هذا التحول في استخدام الذكاء الاصطناعي توجهًا نحو جعله أداة تعاونية وليست مجرد أداة للإجابة على الأسئلة. التقنيات الناشئة مثل نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) تتطلب فهمًا لطريقة عملها لتحقيق أفضل النتائج، وهو ما يركز عليه الخبراء حاليًا.

بالإضافة إلى ذلك، هناك اهتمام متزايد بتطوير واجهات مستخدم أكثر سهولة وفعالية للذكاء الاصطناعي، مما يسمح للمستخدمين العاديين بالاستفادة من قدراته دون الحاجة إلى خبرة فنية متخصصة.

وتشير التقارير إلى أن الشركات تستثمر بشكل كبير في تدريب موظفيها على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، والتركيز على مهارات صياغة الاستعلامات. هذا الاستثمار يعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية هذه المهارة في زيادة الإنتاجية وتحسين الأداء.

في نهاية المطاف، فإن مستقبل الذكاء الاصطناعي يعتمد على قدرة المستخدمين على التفاعل معه بفعالية، وطرح الأسئلة الصحيحة، وتوفير السياق اللازم. من المتوقع أن نشهد تطورات مستمرة في هذا المجال، مع التركيز على تحسين قدرات الذكاء الاصطناعي في فهم اللغة الطبيعية والاستجابة لها بشكل أكثر ذكاءً. ولكن، تبقى التحديات قائمة فيما يتعلق بالتحيزات المحتملة في البيانات المستخدمة، وضمان الخصوصية والأمان. ما يجب مراقبته الآن هو تطور أدوات صياغة الاستعلامات (prompt engineering) وتوفرها للمستخدمين على نطاق واسع.

شاركها.