توفي لوي جرستنر، الرئيس التنفيذي السابق لشركة آي بي إم (IBM) الذي قاد الشركة خلال فترة تحول تاريخية، يوم السبت عن عمر يناهز 83 عامًا، حسبما أعلنت الشركة. يُعتبر جرستنر شخصية محورية في إنقاذ آي بي إم من الانهيار في التسعينيات، حيث نجح في إعادة هيكلة الشركة وتوجيهها نحو النمو والابتكار. وقد أحدثت وفاته صدى واسعًا في أوساط الأعمال والتكنولوجيا على مستوى العالم.

جاءت وفاة جرستنر في وقت تتذكر فيه الشركات الدروس المستفادة من قيادته التحويلية. تولى جرستنر قيادة آي بي إم في عام 1993، في فترة كانت الشركة تعاني فيها من خسائر فادحة وضغوط هائلة، وكان مستقبلها مهددًا بالتفكك. وقد تمكن من تغيير مسار الشركة بشكل جذري، مما جعلها واحدة من أبرز شركات التكنولوجيا في العالم.

إعادة هيكلة آي بي إم: قصة نجاح لوي جرستنر

بدلاً من تفكيك آي بي إم، وهي الخطوة التي توقعها الكثيرون، اختار جرستنر الحفاظ على وحدة الشركة. ركز على تنظيم آي بي إم حول احتياجات العملاء بدلاً من التقسيمات الداخلية، مما ساعد على إعادة تموضع الشركة كمزود للحلول التكنولوجية المتكاملة والخدمات للشركات الكبيرة. هذا القرار الاستراتيجي كان أساسًا لتعافي آي بي إم واستعادة مكانتها الرائدة.

لم يقتصر عمل جرستنر على الجانب الاستراتيجي فحسب، بل امتد ليشمل تغييرًا ثقافيًا عميقًا داخل الشركة. أكد على أهمية اتخاذ القرارات المباشرة والمساءلة والتنفيذ الفعال، مع التأكيد على أن الابتكار لا قيمة له إلا إذا ترجم إلى قيمة حقيقية للعملاء. كان هذا النهج بمثابة تحول كبير عن العادات الداخلية التي كانت سائدة في آي بي إم قبل وصوله.

تحديات الإصلاح وخيارات صعبة

تضمنت فترة ولاية جرستنر إجراءات هيكلية مؤلمة. تخلت آي بي إم عن تقاليدها الراسخة، بما في ذلك سياسة عدم التسريح التي استمرت لعقود، في محاولة لتحقيق الاستقرار المالي والمنافسة بقوة أكبر. يعزو الكثيرون نجاح هذه الإجراءات، إلى جانب التركيز الاستراتيجي لجرستنر، إلى إنقاذ الشركة من الانهيار.

ومع ذلك، لم تخلُ هذه الفترة من الانتقادات، حيث أثرت عمليات التسريح على معنويات الموظفين وأدت إلى حالة من عدم اليقين. لكن جرستنر دافع عن هذه القرارات باعتبارها ضرورية لضمان بقاء آي بي إم على المدى الطويل.

قبل انضمامه إلى آي بي إم، بنى جرستنر مسيرة مهنية مرموقة في قطاع الشركات الأمريكية. عمل كشريك في شركة ماكينزي آند كومباني (McKinsey & Company)، ثم شغل منصب رئيس شركة أمريكان إكسبريس (American Express)، والرئيس التنفيذي لشركة آر جي آر نابيسكو (RJR Nabisco). بعد مغادرته آي بي إم، تولى رئاسة مجموعة كارلايل (The Carlyle Group) وركز على العمل الخيري، وخاصة في مجالي التعليم والبحث الطبي الحيوي.

وُلد جرستنر في لونغ آيلاند، نيويورك، وحصل على شهادة في كلية دارتموث (Dartmouth College) وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد (Harvard University). أعلنت آي بي إم أنها تخطط لإقامة احتفال لتخليد إرثه في العام الجديد. وتأتي هذه الخطوة تقديرًا لمساهماته الجوهرية في نجاح الشركة.

تعتبر قيادة جرستنر لشركة آي بي إم نموذجًا للدراسة في مجال إدارة الأعمال والتحول المؤسسي. لقد أظهر قدرة فريدة على التكيف مع التغيرات السريعة في صناعة التكنولوجيا واتخاذ القرارات الصعبة اللازمة لضمان بقاء الشركة. كما أن تركيزه على العملاء والابتكار والمساءلة قد ساهم بشكل كبير في نجاح آي بي إم.

بالإضافة إلى ذلك، لعب جرستنر دورًا مهمًا في تعزيز ثقافة الشركات التي تركز على الأداء والنتائج. لقد شجع الموظفين على تحمل المسؤولية عن أفعالهم والسعي لتحقيق التميز في كل ما يفعلونه. وقد أدى ذلك إلى تحسين كبير في إنتاجية الشركة وزيادة قدرتها التنافسية.

تأثرت العديد من الشركات الأخرى بأساليب جرستنر في الإدارة والتحول. وقد تبنت العديد من الشركات استراتيجيات مماثلة لتحسين أدائها وزيادة قدرتها على التكيف مع التغيرات في السوق.

في السنوات الأخيرة، شهدت صناعة التكنولوجيا تحولات جذرية، مع ظهور تقنيات جديدة مثل الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي. وقد أدركت آي بي إم هذه التغيرات واستثمرت بكثافة في هذه التقنيات الجديدة. ومع ذلك، لا يزال إرث جرستنر محسوسًا في الشركة، حيث يواصل التركيز على العملاء والابتكار والمساءلة.

من المتوقع أن تعلن آي بي إم عن تفاصيل الاحتفال بإرث جرستنر في الأسابيع القادمة. وستشمل هذه الاحتفالات على الأرجح كلمات من قادة الشركة الحاليين والسابقين، بالإضافة إلى عروض تقديمية تسلط الضوء على مساهمات جرستنر في نجاح الشركة.

في الختام، تُعد وفاة لوي جرستنر خسارة كبيرة لعالم الأعمال والتكنولوجيا. ولكن إرثه سيظل حيًا في شركة آي بي إم وفي الشركات الأخرى التي تأثرت بأساليبه في الإدارة والتحول. وسيبقى اسمه مرتبطًا بقصة نجاح ملهمة عن كيفية إنقاذ شركة من الانهيار وتحويلها إلى قوة رائدة في صناعتها.

شاركها.