يشهد الاقتصاد الأمريكي نموًا مفاجئًا، لكن هذا النمو لا يرافقه زيادة في فرص العمل. هذا التناقض أثار تساؤلات حول مستقبل سوق العمل في الولايات المتحدة، حيث يبدو أن الإنفاق القوي لا يترجم إلى توظيفات جديدة. هذا الوضع غير المعتاد يثير مخاوف بشأن ما إذا كان الاقتصاد يتجه نحو “ازدهار بلا وظائف”.
تظهر البيانات الاقتصادية أن النمو مدفوع بشكل أساسي بالإنفاق الاستهلاكي القوي والاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، بينما يظل توفير فرص العمل بطيئًا. على الرغم من أن معدل البطالة لا يزال منخفضًا نسبيًا، إلا أنه يشهد ارتفاعًا تدريجيًا، مما يشير إلى صعوبات متزايدة في العثور على وظائف، خاصة بالنسبة للباحثين عن عمل في القطاعات المكتبية والإدارية.
النمو الاقتصادي مقابل تباطؤ سوق العمل: نظرة على “الازدهار بلا وظائف”
وفقًا لتقرير الناتج المحلي الإجمالي الأخير، سجل الاقتصاد الأمريكي نموًا قويًا بنسبة 4.3٪ في الربع الثالث من العام، وهو أعلى معدل منذ الربع الثالث من عام 2023. ومع ذلك، لم يصاحب هذا النمو زيادة مماثلة في التوظيف. يرى بعض الاقتصاديين أن هذا يشير إلى أن الشركات تتبنى استراتيجيات لزيادة الإنتاجية من خلال الاستثمار في التكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي، بدلاً من توظيف المزيد من العمال.
أشارت ديان سوانك، كبيرة الاقتصاديين في KPMG، إلى أن “النتائج الاقتصادية وسوق العمل قد انفصلا”. وهذا يعني أن النمو الاقتصادي لا يترجم تلقائيًا إلى خلق فرص عمل جديدة، وهو ما كان يحدث تقليديًا في الماضي.
الذكاء الاصطناعي كمحرك للنمو وتأثيره على التوظيف
تزايدت الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في الآونة الأخيرة، حيث قامت الشركات الكبرى مثل أمازون ومايكروسوفت وميتا وجوجل وتيسلا بضخ مبالغ طائلة في هذا المجال. ومع ذلك، تزامن هذا مع إعلان هذه الشركات عن تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، مما أثار مخاوف بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف المكتبية.
يبدو أن الشركات تسعى إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتبسيط العمليات وتقليل التكاليف، مما قد يؤدي إلى الاستغناء عن بعض الوظائف. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون الشركات قد بالغت في تقدير احتياجاتها من الموظفين خلال فترة التوظيف النشطة، وهي الآن تعمل على تصحيح ذلك من خلال عمليات التسريح أو تجميد التوظيف.
الإنفاق الاستهلاكي والخدمات الصحية
على الرغم من عدم وجود نمو في الدخل خلال الربع الماضي، استمر الإنفاق الاستهلاكي في الارتفاع. يعزى جزء كبير من هذا الارتفاع إلى زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية والخدمات الطبية، حيث ارتفعت تكاليف المستشفيات والتمريض. يمثل هذا العام أعلى مستوى للإنفاق على الخدمات الصحية منذ عام 2022، عندما كان وباء كوفيد-19 في أوجه.
يشير هذا إلى أن الإنفاق الاستهلاكي لا يعكس بالضرورة ثقة المستهلكين، بل قد يكون مدفوعًا بالحاجة إلى الخدمات الصحية الأساسية. في الواقع، لا تزال مستويات ثقة المستهلك منخفضة، حيث يتردد العديد من الأمريكيين في الإنفاق بسبب حالة عدم اليقين بشأن التعريفات الجمركية والتضخم المستمر.
معدل البطالة الحالي هو 4.6٪، وهو الأعلى منذ عام 2021. وقد أبلغ العديد من الباحثين عن عمل عن إحباطهم بسبب طول مدة البحث عن وظيفة، والمنافسة الشديدة، والشكوك حول التمييز على أساس السن، ودور الذكاء الاصطناعي في استبعاد طلباتهم.
نظرة مستقبلية: هل سيستمر “الازدهار بلا وظائف”؟
من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في عام 2026، حيث تخطط الشركات لزيادة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي. إذا نجحت هذه الاستثمارات في تحقيق عوائد ملموسة، فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم تباطؤ سوق العمل. ومع ذلك، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت هذه الاستثمارات ستؤتي ثمارها بالكامل.
سيراقب الاقتصاديون عن كثب البيانات الاقتصادية القادمة، بما في ذلك تقارير التوظيف والناتج المحلي الإجمالي، لتقييم مدى استمرار هذا التناقض بين النمو الاقتصادي والتوظيف. من المهم أيضًا مراقبة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي وتأثيرها على مختلف القطاعات الاقتصادية.
