أدت العلاقة الاقتصادية المتزايدة بين موسكو وبكين منذ بداية الحرب في أوكرانيا إلى دعم الاقتصاد الروسي في مواجهة العقوبات الغربية الشاملة، ولكن هذا الدعم يأتي بتكلفة كبيرة. تشير التقارير إلى أن روسيا أصبحت تعتمد بشكل متزايد على الصين كشريك اقتصادي، مما قد يؤدي إلى ترسيخ دورها كطرف ثانوي في هذه الشراكة على المدى الطويل. هذا التحول يثير تساؤلات حول مستقبل الاقتصاد الروسي وقدرته على المناورة بشكل مستقل.

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، اتجهت روسيا نحو تعزيز علاقاتها مع الصين، خاصة في مجالات التجارة والاستثمار. تقوم الصين بشراء النفط الروسي بكميات كبيرة لتعويض النقص في الإمدادات من أوروبا، ولكن بأسعار مخفضة. في المقابل، تعتمد روسيا على الصين في استيراد الآلات والمركبات والإلكترونيات، وذلك بسبب العقوبات الغربية التي تحظر أو تقيد وصولها إلى هذه السلع.

الاعتماد المتزايد على الصين: تحديات تواجه الاقتصاد الروسي

تُظهر البيانات أن الصين أصبحت الآن أكبر مستورد للنفط الروسي، ولكنها تمثل فقط خُمس إجمالي واردات الصين من النفط. في المقابل، تشكل عائدات النفط والغاز جزءًا كبيرًا من إيرادات الميزانية الروسية، حيث تقدر بنحو ثلث إجمالي الإيرادات، وفقًا لتقرير صادر عن مجلس الأطلسي. هذا التفاوت يوضح مدى حاجة روسيا للصين مقارنة بحاجة الصين لروسيا.

بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير إلى أن معظم التجارة بين روسيا والصين تتم باليوان الصيني، مما يعزز مكانة اليوان كعملة دولية ويقلل من الاعتماد على الدولار الأمريكي. ومع ذلك، فإن هذا التحول لا يخفي حقيقة أن الصين تتمتع بنفوذ متزايد على الاقتصاد الروسي.

تراجع الصادرات الروسية ذات القيمة المضافة العالية

في الماضي، كانت روسيا تصدر إلى الصين سلعًا ذات قيمة مضافة أعلى، مثل الأسلحة والمواد الخام المتخصصة. ومع ذلك، تغير هذا الوضع بشكل كبير منذ الحرب في أوكرانيا، حيث أصبحت الصادرات الروسية إلى الصين تركز بشكل أكبر على النفط والغاز بأسعار أقل. هذا التحول يمثل تراجعًا في القدرة التنافسية للاقتصاد الروسي.

يرى المحللون أن الصين ليست شريكًا تجاريًا أفضل لروسيا مقارنة بالاتحاد الأوروبي الذي كان عليه الوضع سابقًا. ففي حين أن الصين تحتاج إلى مشتري عالميين لقطاعها الصناعي الضخم، إلا أن المكاسب الاقتصادية من هذه العلاقة “أكثر أهمية لروسيا بكثير منها للصين”، حيث أن بكين لا تعتمد على موسكو بنفس الطريقة التي اعتمدت بها أوروبا على الطاقة الروسية.

علاوة على ذلك، من وجهة نظر اقتصادية، فإن الصين لا تقدم استثمارات كبيرة في روسيا، وغالبًا ما تكون منتجاتها ذات جودة تكنولوجية أقل. هذا الوضع يمنح الصين نفوذًا كبيرًا في المفاوضات والمعاملات مع روسيا، حيث تستطيع شراء النفط الروسي بخصومات كبيرة مع العلم أن البدائل المتاحة لموسكو محدودة.

يصف بعض الخبراء العلاقة بأنها تحول روسيا إلى “شريك ثانوي” في الشراكة “بلا حدود” مع الصين. على الرغم من أن روسيا لم تصبح بعد “تابعة” لبكين، إلا أن هذا الاعتماد المتزايد يثير مخاوف بشأن سيادتها الاقتصادية وقدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة.

تعتبر الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية من العوامل الرئيسية التي ساهمت في هذا التحول. فقد أدت العقوبات إلى تقييد وصول روسيا إلى الأسواق الغربية والتكنولوجيا المتقدمة، مما دفعها إلى البحث عن بدائل في الصين. في الوقت نفسه، سمحت الحرب لروسيا بتعزيز علاقاتها مع الصين في مجالات مثل الدفاع والأمن.

الوضع الحالي يمثل تحديًا كبيرًا للاقتصاد الروسي، حيث يواجه صعوبات في تنويع صادراته وجذب الاستثمارات الأجنبية. من المرجح أن يستمر الاعتماد على الصين في النمو في المستقبل القريب، مما قد يزيد من نفوذ بكين على موسكو ويحد من خياراتها الاستراتيجية.

في المستقبل القريب، من المتوقع أن تستمر روسيا في تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الصين، مع التركيز على زيادة صادراتها من النفط والغاز، وتوسيع استيرادها من السلع المصنعة. ومع ذلك، من غير الواضح ما إذا كانت هذه العلاقة ستكون كافية لتعويض الخسائر الناجمة عن العقوبات الغربية وتراجع التجارة مع أوروبا. يجب مراقبة تطورات أسعار النفط العالمية، ومستوى الاستثمار الصيني في روسيا، والتوترات الجيوسياسية في المنطقة لتقييم مستقبل الاقتصاد الروسي.

شاركها.