تواجه الأجيال الشابة التي تدخل سوق العمل تحديات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، ولكن التحليل الأخير يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس السبب الرئيسي. تشير دراسة حديثة من شركة استشارية اقتصادية مقرها لندن إلى أن السبب الجذري يكمن في تباطؤ عمليات التوظيف من قبل الشركات، وليس في استبدال العمالة بالآلات.

تحديات التوظيف للشباب: هل الذكاء الاصطناعي هو الجاني؟

شهدت معدلات البطالة بين الوافدين الجدد إلى سوق العمل في الولايات المتحدة ارتفاعًا بأكثر من 2.5 نقطة مئوية منذ عام 2023. هذا الارتفاع يمثل تبايناً حاداً مع العمال الأكبر سناً، حيث ظلت معدلات بطالتهم مستقرة، وفقًا لتحليل داريو بيركنز، المدير العام في Global Data.TS Lombard.

يرى البعض أن هذا الوضع هو “دليل” على أن الشركات تعتمد على التكنولوجيا بدلًا من توظيف الخريجين الجدد. وقد أصبح مصطلح “الذكاء الاصطناعي” مرادفًا لخفض التكاليف في أوساط قادة الأعمال، مما عزز هذه الفكرة.

ومع ذلك، يجادل بيركنز بأن السبب الحقيقي هو ببساطة مسار الأعمال الطبيعي. فقد أشار إلى أن عمليات التوظيف في الولايات المتحدة ضعيفة على نطاق واسع، وأن الاقتصاد ككل يشهد مستويات من خلق الوظائف تماثل تلك الموجودة في فترات الركود.

تحليل بيركنز يظهر أن القطاعات التي تشهد تعرضًا أكبر للذكاء الاصطناعي لا تشهد بدورها ارتفاعًا أكبر في معدلات البطالة. وهذا يشير إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي على التوظيف قد يكون أقل حدة مما يُتصور.

أسباب تباطؤ التوظيف

يحدد التقرير ثلاثة عوامل رئيسية وراء تباطؤ التوظيف، ولا يتعلق أي منها باستبدال العمالة بالآلات. أولاً، شهدت الشركات توسعًا سريعًا في قوتها العاملة خلال فترة التعافي بعد جائحة كوفيد-19، وهي الآن تعيد تطبيع عدد الموظفين لديها.

ثانيًا، أدت حالة عدم اليقين بشأن السياسات إلى جعل الشركات أكثر حذرًا بشأن توظيف موظفين جدد. فالاستثمارات الجديدة وتوسيع نطاق العمليات غالبًا ما تتوقف على رؤية واضحة للمستقبل الاقتصادي والسياسي.

ثالثًا، أدت الرسوم الجمركية التي فرضت في عهد الرئيس ترامب إلى تقليص هوامش الربح للشركات. ونتيجة لذلك، تسعى الشركات إلى زيادة الإنتاج من خلال الموظفين الحاليين بدلًا من توظيف عمال جدد. هذا الوضع يؤثر بشكل خاص على الشباب الباحثين عن فرص عمل.

على الرغم من هذه التحديات، تشير البيانات إلى أن صافي التوظيف لا يزال مستقرًا. وهذا يعني أن عدد الوظائف المفقودة لا يتجاوز عدد الوظائف الجديدة التي يتم إنشاؤها، مما يوفر بعض الطمأنينة بشأن الوضع العام لسوق العمل.

تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل: نظرة أعمق

تأتي نتائج تقرير بيركنز في الوقت الذي تواصل فيه الأسواق تقييم تأثير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد والتوظيف. هناك جدل مستمر حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة أم إلى فقدان الوظائف الحالية.

تشير تحليلات أخرى إلى أن العمال الشباب في قطاع التكنولوجيا هم الأكثر تضررًا من هذا التأثير. فقد ارتفع معدل البطالة بين الفئة العمرية من 20 إلى 30 عامًا في قطاع التكنولوجيا بنحو 3 نقاط مئوية منذ أوائل عام 2024، وهو ما يزيد على أربعة أضعاف الزيادة في معدل البطالة العام، وفقًا لتقرير صادر عن بنك جولدمان ساكس في أغسطس.

في أكتوبر، حذر جولدمان ساكس من حقبة “النمو بلا وظائف” في الولايات المتحدة بسبب الذكاء الاصطناعي، حتى مع بقاء الاقتصاد الأوسع قويًا. هذا يشير إلى أن الشركات قد تكون قادرة على تحقيق نمو اقتصادي دون الحاجة إلى زيادة عدد الموظفين لديها، مما قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة بين الشباب.

بالإضافة إلى ذلك، يشهد سوق العمل تغيرات هيكلية أوسع نطاقًا، مثل التحول نحو العمل عن بعد وزيادة الاعتماد على العمال المستقلين. هذه التغييرات قد تجعل من الصعب على الشباب العثور على وظائف تقليدية بدوام كامل.

من المهم ملاحظة أن هذه التطورات لا تقتصر على الولايات المتحدة. فالعديد من الدول حول العالم تواجه تحديات مماثلة في سوق العمل، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وتأثير التكنولوجيا على الوظائف.

الفرص الوظيفية للشباب من المتوقع أن تتحسن مع انتعاش التوظيف. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن مسار الاقتصاد وتأثير الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل. من الضروري مراقبة مؤشرات التوظيف عن كثب وتقييم السياسات التي يمكن أن تساعد الشباب على اكتساب المهارات اللازمة للنجاح في سوق العمل المتغير.

من بين الأمور التي يجب مراقبتها في المستقبل القريب: تطور السياسات الحكومية المتعلقة بالتدريب المهني والتعليم، واستثمارات الشركات في التكنولوجيا الجديدة، والتغيرات في الطلب على العمالة في مختلف القطاعات.

شاركها.