مع اقتراب موسم الأعياد، يجد العديد من الآباء والأمهات أنفسهم غارقين في التزامات مادية واجتماعية متزايدة. يتزايد الضغط لخلق “أعياد مثالية” لأطفالهم، مما يؤدي إلى الإرهاق المالي والعاطفي. هذا العام، قررت العديد من الأمهات، بمن في ذلك الكاتبة ماري لو كوستا، الابتعاد عن بعض التقاليد المعتادة والتركيز على ما هو أكثر أهمية: قضاء وقت ممتع مع العائلة وخلق ذكريات ذات مغزى. هذا التحول في الأولويات يثير تساؤلات حول مفهوم الأعياد وما يعنيه حقًا بالنسبة للأسر الحديثة.

تُظهر استطلاات الرأي أن الضغوط المرتبطة بالأعياد تتزايد، خاصة بالنسبة للأمهات. وفقًا لإحصائيات حديثة في المملكة المتحدة، تشعر 62٪ من الأمهات بأن الأعياد “مرهقة إلى حد ما”، مقارنة بـ 44٪ من الآباء و 45٪ من النساء اللاتي ليس لديهن أطفال. هذا الفارق يسلط الضوء على العبء غير المتناسب الذي تتحمله الأمهات في التخطيط وتنفيذ احتفالات الأعياد.

لماذا تتخلى الأمهات عن تقاليد الأعياد؟

توضح كوستا أن قرارها بالابتعاد عن بعض التقاليد، مثل شخصية “Elf on the Shelf” وصناديق الهدايا والحرف اليدوية للأطفال، والملابس الاحتفالية المتطابقة، وجلسات التصوير، وكتابة بطاقات المعايدة بشكل إجباري، والتذاكر باهظة الثمن لرؤية بابا نويل في مراكز التسوق المزدحمة، ليس بسبب البخل أو عدم الاهتمام، بل بسبب الرغبة في تجنب الإرهاق. فهي تعمل بدوام كامل ولا ترغب في تحمل دور “جنية الأعياد” غير المدفوع الأجر.

بالإضافة إلى ذلك، تشير كوستا إلى أن أطفالها يتمتعون بالفعل بحياة مريحة ومليئة بالفرص. فهم يحصلون على دروس في اللغة الفرنسية والمبارزة، ولديهم وصول إلى خيارات تعليمية وترفيهية متنوعة. وبالتالي، لا يوجد حاجة إلى زيادة الضغط المادي خلال موسم الأعياد لإثبات الحب أو الرعاية. بدلاً من ذلك، تفضل العائلة استثمار أموالها في تجارب مثرية مثل السفر، حيث قاموا برحلات إلى جزر سيشيل وفنلندا وأستراليا وتينيريفي هذا العام.

تأثير الضغوط الاجتماعية على احتفالات الأعياد

تؤكد كوستا أن العديد من الأمهات الأخريات يشعرن بنفس الطريقة. فهي تسمع شكاوى مماثلة من الأمهات الأخريات في المدرسة حول كثرة المهام والوقت المحدود. وهذا أدى إلى قرار جماعي بالتعهد بتقليل الالتزامات في العام الجديد. العديد من الأمهات يدركن الآن أن العديد من تقاليد الأعياد المفروضة هي تقاليد ذاتية وليست ضرورية، وأن العالم لن ينتهي إذا رفضن المشاركة في المزيد من الأنشطة.

هناك اتجاه متزايد نحو تحديد الأولويات لما هو ذو معنى حقيقي للعائلة. صديقة لكوستا قررت حتى الاستغناء عن عشاء الديك الرومي التقليدي لصالح مائدة طعام متنوعة تضم الأطعمة المفضلة لدى الجميع. وهذا يعكس رغبة في الابتعاد عن التوقعات الصارمة والتركيز على الاستمتاع بالوقت معًا.

الاحتفال بالأعياد بطرق ذات مغزى

تؤمن كوستا بأنه من المهم أن ينمو أطفالها وهم يشعرون بالرضا عن حياتهم، وأنه ليسوا بحاجة إلى أشياء معينة لمجرد أن الآخرين يمتلكونها أو أن وسائل الإعلام والتلفزيون يخبرونهن بأنهم يجب أن يمتلكونها. وهذا لا يعني أنها تتجاهل الأعياد تمامًا، بل تركز على الاحتفال بها بطرق تعكس قيم عائلتها وتساهم في سعادتهم الحقيقية.

على سبيل المثال، شارك ابنها الأكبر في زيارة إلى دار رعاية المسنين مع فصله الدراسي لغناء ترانيم الأعياد. وقد شعر بالسعادة والفخر لمشاركته في هذه التجربة، وأدرك أن العطاء والخدمة يمكن أن يكونا أكثر إرضاءً من تلقي الهدايا. هذا يوضح كيف يمكن للأعياد أن تكون فرصة لتعليم الأطفال قيمًا مهمة مثل التعاطف والمسؤولية الاجتماعية.

بالنسبة لكوستا وعائلتها، فإن “السحر” الحقيقي للأعياد يكمن في الأشياء البسيطة: قضاء وقت ممتع في المنزل، ومشاهدة الأفلام، وتناول الطعام الاحتفالي، والتنزه في الغابات. إنها تقدر الحرية في فعل ما تريد، بدلاً من الشعور بالضغط للقيام بما تمليه عليها التقاليد أو المجتمع. وهذا النهج يبدو أنه يلقى صدى لدى أطفالها أيضًا، الذين فضلوا قضاء وقت ممتع مع الأصدقاء على حضور عروض الأعياد باهظة الثمن.

إن هذا التحول في وجهات النظر حول الأعياد يعكس فهمًا أعمق لما يهم حقًا في الحياة. فبدلاً من التركيز على الماديات والتقاليد السطحية، تركز الأسر بشكل متزايد على بناء علاقات قوية، وخلق ذكريات دائمة، والعيش حياة ذات معنى. وهذا هو الدرس الأهم الذي يمكن أن نتعلمه من موسم الأعياد.

من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه نحو تبسيط الأعياد والتركيز على القيم الأساسية في السنوات القادمة. سيكون من المثير للاهتمام مراقبة كيف تتكيف الشركات والمؤسسات مع هذه التغييرات في سلوك المستهلك، وما إذا كانت ستستجيب من خلال تقديم منتجات وخدمات أكثر تركيزًا على التجربة والقيمة بدلاً من الكمية والسعر. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا التحول سيؤدي إلى موسم أعياد أكثر هدوءًا وإشباعًا للجميع.

شاركها.