بعد توقف عن خفض أسعار الفائدة في أمريكا استمر على مدى 9 أشهر، يبدو أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) سيتخلى هذا الأسبوع عن سياسة الترقب التي انتهجها طوال تلك الفترة، ويعلن خفضا طال انتظاره.

مع وصول سوق الأسهم الأمريكية إلى مستويات قياسية، يترقب المستثمرون ما إذا كان قرار الفيدرالي وتوقعاته الاقتصادية سيواصلان دعم موجة الصعود هذه، أم سيدفعان السوق إلى انتكاسة حادة؟

التاريخ يقول إن الأسهم الأمريكية عادة ما تحقق مردودا إيجابيا بعد التخفيضات الأولية لأسعار الفائدة، بأثر فوري، وكذلك على مدى 12 إلى 24 شهرا بعد الخفض، وفقا لموقع “ماركت ووتش”.

فمنذ 1982، حقق مؤشر “إس آند بي 500” عوائد إيجابية في الـ12 شهرا التي تلت هذه التخفيضات لـ8 من 10 دورات، بمتوسط ​​مكاسب قارب 11%، بحسب بيانات جمعتها شركة “BMO Capital Markets.

كان أداء سوق الأسهم عند نقاط التحول تلك يتبين بشكل كبير، بين خسارة بلغت 23.9% عام 2007 ومكاسب وصلت إلى 36.2% عام 1982، على حد قول براين بيلسكي كبير إستراتيجيي الاستثمار في الشركة.

الفائدة ليست المحرك الوحيد

يعزى جزء كبير من هذا التباين إلى ظروف الاقتصاد الكلي، التي تحدد مدى فاعلية خفض الفائدة في دعم النمو والحفاظ على أرباح الشركات.

بيلسكي قال في مذكرة للعملاء يوم الخميس: “إن الدورات التي نجح عندها خفض الفائدة في إطالة فترة توسع الاقتصاد والحفاظ على اتجاه تصاعدي لأرباح الشركات، كان أداء الأسهم جيدا جدا”.

“أما في الدورات التي لم يمنع فيها التحفيز النقدي تباطؤ الاقتصاد -كما حدث في 2001 و 2007- فقد سجلت الأسهم خسائر كبيرة في العام التالي، مع تعثر نمو الأرباح”.

يرى خبير الاستثمار وفريقه أن الظروف الاقتصادية الحالية تتوافق مع النموذج الأول، بفضل سوق العمل المرنة، ونمو الناتج المحلي الإجمالي، الذي يفوق الاتجاه، والأرباح القوية للشركات ذات القيمة السوقية الكبيرة في مؤشر “إس آند بي 500”.

لكن آخرين في السوق يرون الأمر بشكل مختلف. فقد أظهرت البيانات الاقتصادية الأسبوع الماضي ارتفاع طلبات إعانة البطالة الجديدة إلى أعلى مستوى منذ 2021، بينما جرى خفض تقديرات نمو الرواتب الأمريكية، ما يشير إلى أن سوق العمل قد تفقد زخمها بوتيرة أسرع مما كان متوقعا.

رغم أن ضعف سوق العمل يبدو داعما لتخفيف السياسة النقدية هذا الأسبوع، فإن مؤشرات التضخم تقدم صورة مختلفة.

في الأسبوع الماضي، أظهر كل من تقريري أسعار الجملة وأسعار المستهلك لشهر أغسطس أن التضخم ما زال مرتفعا فوق مستهدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، ما يضع صنّاع السياسات النقدية في موقف صعب.

الفيدرالي بحاجة لموازنة بين التضخم والبطالة

بينما ينتظر المستثمرون من رئيس الفيدرالي جيروم باول وزملائه توضيح موقفهم، يرى ديفيد بيانكو، كبير مسؤولي الاستثمار في الأمريكتين لدى شركة “DWS أن المركزي قد يبرر خفض الفائدة بالاعتماد على التوازن بين خطر ارتفاع طفيف للتضخم وضعف معتدل في سوق العمل.

لكنه يرى أن الضرر الذي سيلحق بالاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل سيكون أكبر بكثير إذا تسارع التضخم أو ظل مرتفعا، مقارنة بحدوث ركود اقتصادي طفيف، وفقا لما نقله عنه موقع “ماركت ووتش”.

قبل 3 أشهر، كان صنّاع السياسة يتوقعون أن يصل معدل البطالة إلى 4.5% بنهاية 2025، ويظل على هذا النحو حتى 2026، ومن ثم ينخفض تدريجيا إلى 4.4% بحلول 2027.

غير أن البيانات الفعلية لشهر أغسطس أظهرت معدلا أقل عند 4.3%، وفقا لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي.

يرى توني رودريجيز، رئيس إستراتيجية الدخل الثابت في شركة “Nuveen”، أن أي تعديل في توقعات البطالة سيكون الإشارة المهمة للأسواق.

يقول رودريجيز “إذا لاحظ المستثمرون ارتفاعا طفيفا في مستويات البطالة بنهاية 2026 و2027، فسيكون ذلك داعما للقول إنهم ربما يحتاجون إلى زيادة تخفيضات الاحتياطي الفيدرالي المتوقعة للعام المقبل، لأن الاحتياطي يتحرك بشكل أكبر في هذا الاتجاه، متوقعا مزيد من الضعف الاقتصادي الذي سيتطلب بعض الدعم النقدي”.

هل استبقت السوق الأحداث؟

أليشا ليفين، رئيسة إستراتيجية الاستثمار والأسهم في شركة “BNY Wealth” تحذر بدورها من أنه ربما يتبين أن توقعات السوق بشأن خفض الفائدة قد استبقت موقف الفيدرالي، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة تقلبات سوق الأسهم هذا الأسبوع.

وقالت: “المخاوف تكمن في أن السوق قد تكون استبقت الأحداث. فنحن نشهد أيضا تراجعا في سوق العمل، ولا نعلم ما إذا كان ذلك يُنذر بعواقب وخيمة في المستقبل (…) لا أعتقد أن الاحتياطي الفيدرالي سيعطي الأولوية للتضخم على سوق عمل تبدو ضعيفة”.

مع اقتراب الأسواق من مستويات قياسية، يتساءل المستثمرون عما إذا كانت التقييمات المرتفعة قد تجعلهم عرضة للتقلبات المرتبطة بالاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع.

لكن ليفين تعتقد أن وصول الأسهم إلى أعلى مستوياتها التاريخية لا يعني بالضرورة أن الأسواق “متضخمة”، إذ ترتفع تقديرات الأرباح أيضا. وخلصت إلى أنه “عندما يخفض الفيدرالي الفائدة خلال فترة ارتفاع تقديرات الأرباح، فإن ذلك عادة ما يكون إيجابيا جدا للأسواق”.

شاركها.