تستعد مصر لإجراء تغييرات جوهرية في تنظيم سوق المال، حيث ألزمت الهيئة العامة للرقابة المالية الشركات المقيدة في البورصة والكيانات ذات المصلحة العامة بإعداد تقرير مفصل لمراقبة الحسابات. من المتوقع أن يدخل هذا الإجراء حيز التنفيذ في يناير 2027، بهدف رئيسي هو تعزيز الانضباط المالي وزيادة الثقة في السوق المصرية، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. يأتي هذا التطور في أعقاب قرار حكومي بتحديث المعايير المصرية للمراجعة والفحص المالي.

يهدف هذا التحديث إلى مواءمة الممارسات المحاسبية والرقابية في مصر مع المعايير الدولية، وذلك بعد فترة لم تشهد فيها المعايير المصرية تحديثات كبيرة منذ عام 2008. وتشمل التغييرات إلزام الشركات بتقديم تفاصيل دقيقة حول جوانب رئيسية في عملياتها المالية، مثل الإيرادات والتكاليف والإنتاج، بالإضافة إلى تقييم المخاطر المحتملة واستمرارية النشاط.

تعزيز الانضباط المالي والشفافية في سوق المال

تعتبر هذه الخطوة جزءًا من جهود أوسع تهدف إلى تطوير سوق المال المصري وزيادة جاذبيته للمستثمرين. وفقًا لمسؤول في الهيئة العامة للرقابة المالية، فإن التقرير الجديد سيعزز بشكل كبير الشفافية والإفصاح المالي للشركات، مما يتيح للمستثمرين اتخاذ قرارات مستنيرة.

بالإضافة إلى ذلك، سيساعد التقرير في تقييم جودة المعلومات المالية التي تقدمها الشركات المصرية، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل تزايد مشاركة الشركات المحلية في الأسواق العالمية. وتشير التوقعات إلى أن استخدام التكنولوجيا المتقدمة، مثل برامج تحليل البيانات والتدقيق الإلكتروني، سيلعب دورًا حيويًا في عمليات المراجعة لضمان الدقة والموثوقية.

الكيانات ذات المصلحة العامة: نطاق التطبيق

تُعرّف الكيانات ذات المصلحة العامة بأنها الشركات الكبيرة التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد الوطني، سواء من خلال حجمها في السوق أو من خلال تأثيرها على الاستقرار المالي. لم يتم بعد الإعلان عن قائمة مفصلة بهذه الكيانات وحجم رؤوس أموالها، ولكن الهيئة العامة للرقابة المالية أكدت أنها ستصدر هذه المعلومات قريبًا لضمان تطبيق شامل لمتطلبات التقرير الجديد.

هذا التحديد الدقيق للكيانات ذات المصلحة العامة يضمن أن الشركات الأكثر تأثيرًا هي التي تخضع لأعلى مستويات الرقابة والإفصاح المالي.

تطورات حديثة في سوق المال المصري

تأتي هذه التطورات بعد فترة شهدت فيها البورصة المصرية نشاطًا ملحوظًا. فقد ارتفع المؤشر الرئيسي “إي جي إكس30” بنسبة كبيرة منذ بداية العام الحالي، متجاوزًا حاجز الـ 40 ألف نقطة.

كما شهدت البورصة زيادة في عدد المستثمرين الأفراد، حيث وصل عددهم إلى حوالي 123 ألف مستثمر بنهاية يونيو الماضي، مقارنة بـ 100 ألف مستثمر في نهاية ديسمبر السابق. وتشير هذه الأرقام إلى تزايد الثقة في السوق المصرية ورغبة المستثمرين في المشاركة في الفرص الاستثمارية المتاحة.

بالإضافة إلى ذلك، تستعد البورصة المصرية لإطلاق أول عقود مشتقات مالية في العام المقبل، وتفعيل آلية “البيع على المكشوف” خلال الأشهر الثلاثة القادمة. هذه الخطوات تهدف إلى تنويع الأدوات المالية المتاحة في السوق وزيادة السيولة والكفاءة.

تأسست البورصة المصرية في عام 1903، وهي واحدة من أقدم أسواق المال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتضم البورصة حاليًا 218 شركة مدرجة في 18 قطاعًا مختلفًا، بما في ذلك البنوك والموارد الأساسية ومواد البناء والرعاية الصحية والسياحة والترفيه والعقارات والاتصالات.

من المتوقع أن تستمر الهيئة العامة للرقابة المالية في إصدار المزيد من القرارات والتوجيهات في الفترة المقبلة، بهدف تطوير سوق المال المصري وجعله أكثر تنافسية وجاذبية للمستثمرين. وتشمل الخطوات القادمة تحديد آليات التنفيذ التفصيلية لمتطلبات التقرير الجديد، وتوفير الدعم الفني للشركات لمساعدتها على الامتثال لهذه المتطلبات.

يبقى من المهم مراقبة مدى استجابة الشركات لهذه التغييرات، وكيف ستؤثر هذه التغييرات على أداء السوق وجاذبيتها للمستثمرين الأجانب. كما يجب متابعة تطورات استخدام التكنولوجيا في عمليات المراجعة، ومدى مساهمة ذلك في تحسين جودة المعلومات المالية وزيادة الشفافية.

شاركها.