مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تتزايد التوقعات بإمكانية لجوء بكين إلى خفض قيمة اليوان الصيني كإجراء مضاد للرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب. يأتي هذا بعد أن أثبتت الأدوات التجارية التقليدية، مثل الرد بالمثل والطعون في منظمة التجارة العالمية، محدودية فعاليتها في تخفيف الضغوط التجارية. ويراقب الأسواق العالمية عن كثب هذه التطورات وسط مخاوف من انزلاق العالم إلى حرب عملات.

في عام 2018، اتبعت الصين استراتيجية مماثلة كرد فعل على الحرب التجارية التي بدأها ترمب، لكنها فعلت ذلك بحذر وبعد استنفاد الخيارات الأخرى. الآن، ومع استمرار واشنطن في فرض رسوم جمركية جديدة، تثير مسألة توقيت وتعمق أي تحرك محتمل لخفض قيمة اليوان قلقًا متزايدًا.

إشارات من بنك الشعب الصيني حول قيمة اليوان الصيني

يبدو بنك الشعب الصيني (المركزي) يرسل إشارات بأنه مستعد لاتخاذ إجراءات لإضعاف اليوان، ولكنه يسعى للقيام بذلك بطريقة مُحكمة ومُسيطر عليها. قام البنك الأسبوع الماضي بتحديد سعر الصرف المرجعي اليومي لليوان عند مستوى أعلى من 7.20 لكل دولار أمريكي، وهو مستوى هام لم يتم تجاوزه منذ سبتمبر 2023، على الرغم من ضعف أداء الدولار أمام سلة عملات رئيسية.

بالإضافة إلى ذلك، طلبت سلطات البنوك الحكومية الصينية تقليل مشترياتها من الدولار الأمريكي، بهدف تجنب أي انخفاض حاد وسريع في قيمة اليوان. يهدف هذا الإجراء إلى تحقيق توازن في السوق وتجنب الصدمات المفاجئة.

من ناحية أخرى، يرى المحللون أن سياسة الصين النقدية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بوضعها المالي العام. ففي حال عدم اتخاذ بكين حزمة تحفيز اقتصادي كبيرة، قد يكون خفض قيمة العملة هو أسرع طريقة لتجنب تباطؤ اقتصادي أكبر.

الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترمب من المؤكد أنها ستلحق ضررًا بالاقتصاد الصيني. فقد ساهم صافي الصادرات بنسبة كبيرة، بلغت 46%، في النمو الاقتصادي الصيني في الربع الأخير من العام الماضي. وتشير تقديرات بنك باركليز إلى أن هذه الصدمة التجارية قد تؤدي إلى تباطؤ النمو إلى ما دون 2% هذا العام، وهو أدنى مستوى له منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.

هدوء نسبي في سوق اليوان

حاليًا، يتوقع المراقبون أن سوق اليوان الصيني سيشهد حالة من الهدوء النسبي، ولكن غياب أي إعلان رسمي عن حزمة تحفيزية لا يستبعد احتمال ظهورها في المستقبل القريب. إعداد وتنفيذ مثل هذه الحزم يتطلب وقتًا وجهدًا.

لتحقيق هدف النمو الاقتصادي الذي تسعى إليه بكين بنسبة 5%، تقدر باركليز أن الصين قد تضخ حوالي 12 تريليون يوان (ما يعادل 1.6 تريليون دولار أمريكي) في الاقتصاد، وهو ما يمثل حوالي 8.6% من الناتج المحلي الإجمالي.

وقد رفعت الحكومة بالفعل عجز الميزانية العامة إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال اجتماع المؤتمر الوطني للشعب في مارس الماضي، مقارنة بنسبة 6.6% في العام السابق. وفي الأسابيع الأخيرة، أشار مسؤولون صينيون إلى وجود مجال واسع لمزيد من التيسير المالي.

ومع ذلك، قد يتلاشى هذا الهدوء إذا لم تعلن الحكومة عن خطة مالية واضحة ومحددة بحلول اجتماع المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني في يوليو القادم. هذا الاجتماع هو الذي يحدد أولويات السياسة الاقتصادية لبقية العام.

في هذه الحالة، قد تضطر السلطات الصينية إلى اللجوء إلى أدوات نقدية أخرى. وتقدر باركليز أن اليوان الصيني قد ينخفض إلى مستوى 9 يوانات مقابل الدولار، مقارنة بمستواه الحالي البالغ 7.3، لتعويض تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب.

استقرار اليوان في مواجهة الضغوط

على الرغم من أن توقعات باركليز بانخفاض محتمل بنسبة 20% قد تبدو مثيرة للقلق، إلا أن هناك منطقًا يدعم هذا السيناريو. ففي عام 2018، تراجع اليوان بنسبة وصلت إلى 10%، على الرغم من أن متوسط الرسوم الجمركية الأمريكية لم يتجاوز آنذاك 20%. أما في الوقت الحالي، يواجه المصدرون الصينيون رسومًا جمركية متوسطة تبلغ حوالي 135%.

وعلى مدار العام الحالي، حافظ اليوان الصيني على استقراره تقريبًا مقابل الدولار الأمريكي. ويعكس هذا الاستقرار تدخلات بنك الشعب الصيني في سوق الصرف.

يعتمد الاقتصاديون على افتراضات مختلفة لتقدير مستويات الأسعار المحتملة. فعلى سبيل المثال، تفترض باركليز أن كل نقطة مئوية في زيادة العجز المالي ترفع النمو بنسبة 0.3% فقط، بينما يرى مورغان ستانلي أن هذه النسبة قد تصل إلى 0.5%. إلا أن جميع الأطراف يتفقون على أن بكين ستسعى بكل جهد لتحقيق هدفها في النمو الاقتصادي، بغض النظر عن التكلفة.

بينما وصفت الصين تصعيد ترمب في الرسوم الجمركية بأنه “غير جاد”، تعهدت بالقتال “حتى النهاية”. وهذا يعني أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، بما في ذلك سلاح العملة. لذا، فإن الاستعداد لمواجهة أي تطورات مستقبلية يعد أمرًا ضروريًا.

الوضع الحالي يشير إلى أن الصين تراقب عن كثب التطورات التجارية وتستعد لاتخاذ إجراءات مضادة إذا لزم الأمر. الاجتماع المقبل للمكتب السياسي في يوليو سيكون حاسماً في تحديد مسار السياسة الاقتصادية الصينية. ينبغي متابعة الإعلانات الرسمية عن أي حزم تحفيزية أو تغييرات في السياسة النقدية، بالإضافة إلى التطورات في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، لتقييم المسار المستقبلي لقيمة اليوان الصيني.

شاركها.