أنهت الأسواق المالية العالمية تداولات يوم الاثنين بتراجع ملحوظ في أداء الأسهم الأمريكية، بالتزامن مع تقلبات حادة في أسعار المعادن النفيسة. يمثل هذا التراجع تحولًا في ديناميكية السوق بعد أسبوع من المكاسب القوية التي قادتها شركات التكنولوجيا الكبرى، مما دفع المتعاملين إلى إعادة تقييم استثماراتهم قبيل نهاية العام. وتأثرت أسعار السلع بشكل عام بالتوترات الجيوسياسية المتصاعدة.

انخفض مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 0.3%، بينما تراجع مؤشر “ناسداك 100” بنسبة 0.5%. وشهدت أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة مثل “تسلا” و”إنفيديا” و”ميتا بلاتفورمز” عمليات بيع مكثفة. في المقابل، انخفض عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 4.11%، مما يعكس تحولًا في توجه المستثمرين نحو الأصول الأكثر أمانًا.

تراجع أسواق الأسهم الأمريكية وتقييم المخاطر

أشار محللون إلى أن تراجع الأسهم الأمريكية يمثل تصحيحًا بعد الارتفاعات الكبيرة التي شهدها الأسبوع الماضي، وليس بالضرورة انعكاسًا لعوامل اقتصادية أساسية سلبية. ومع ذلك، فإن هذا التراجع يجري في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي حالة من عدم اليقين، مع استمرار التوترات التجارية والجيوسياسية، وارتفاع معدلات التضخم في بعض الدول.

على الرغم من هذا التراجع، لا يزال مؤشر “إس آند بي 500” يحقق أداءً قويًا منذ بداية العام، حيث ارتفع بنحو 17%. ومع ذلك، فقد تفوق أداء أسواق أخرى حول العالم على السوق الأمريكي، مما يشير إلى أن المستثمرين يبحثون عن فرص استثمارية أكثر جاذبية في مناطق أخرى.

أسباب التراجع وتقييم الأداء

وفقًا لجو مازولا، رئيس استراتيجيات التداول والمشتقات لدى “تشارلز شواب”، فإن تراجع الأسهم يعكس حالة انعكاس لما حدث في الأسبوع الماضي. وأضاف أن هذا التراجع لا يرتبط بعامل واحد محدد. وأشار سيباستيان بويد، استراتيجي الاقتصاد الكلي في “بلومبرغ ماركتس لايف”، إلى أن التوقعات الإيجابية بشأن أداء الدولار والسوق الأمريكي في عام 2025 لم تتحقق بالكامل، بسبب بعض التطورات غير المتوقعة مثل تراجع الثقة في السياسات التجارية الأمريكية.

يشير المحللون إلى أن تقييم المخاطر أصبح أكثر حذرًا في الأسواق المالية، ممّا دفع المستثمرين إلى تقليص رهاناتهم على أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة. وقد يكون هذا التحول مرتبطًا أيضًا بتوقعات بشأن سياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي، والتي قد تؤثر على تكاليف الاقتراض وتدفقات رؤوس الأموال.

تقلبات حادة في أسواق المعادن النفيسة

شهدت أسواق المعادن النفيسة تقلبات حادة يوم الاثنين، حيث انخفضت أسعار الفضة بشكل كبير بعد أن تخطت مستوى 80 دولارًا للأونصة، بينما تراجعت أسعار الذهب بأكثر من 4%. يعكس هذا التذبذب حالة من الضغط البيعي بعد الارتفاعات الأخيرة التي غذتها المضاربات والمخاوف بشأن المعروض.

وبرزت المعادن النفيسة كملاذ آمن للمستثمرين في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي، مدعومة بارتفاع مشتريات البنوك المركزية وتدفقات الأموال إلى الصناديق المتداولة في البورصة. كما ساهمت تكاليف الاقتراض المنخفضة في دعم أسعار المعادن غير المدرة للعائد.

تأثير تصريحات إيلون ماسك والتوترات الجيوسياسية

أدى تعليق أدلى به إيلون ماسك في نهاية الأسبوع حول أهمية الفضة في العمليات الصناعية إلى زيادة الاهتمام بالمعادن، قبل أن يتبعه تراجع حاد في الأسعار. وفي الوقت نفسه، زادت التوترات بين الولايات المتحدة وفنزويلا من جاذبية المعادن النفيسة كملاذ آمن.

يرى مات مالي، كبير استراتيجيي السوق لدى “ميلر تاباك + كو”، أن المعادن النفيسة قد بلغت مستويات تشبع شرائي على المدى القصير، وأن التراجعات الحالية لا تشير إلى تغيير جذري في الاتجاه. ويعتقد أن أي ضعف في الأسعار خلال الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين قد يمثل فرصة شراء جيدة.

تطورات أخرى في الأسواق العالمية

في أسواق أخرى، تراجعت عملة “بتكوين” بعد أن تجاوزت مستوى 90 ألف دولار، واستقر مؤشر الدولار عند مستوياته الحالية. كما ارتفعت أسعار النفط، مدعومة بتوترات جيوسياسية وتعهدات الصين بدعم النمو الاقتصادي.

على الرغم من ارتفاع أسعار النفط، لا يزال خام “برنت” متجهًا لتسجيل خامس انخفاض شهري على التوالي في ديسمبر، وهو أطول سلسلة خسائر منذ أكثر من عامين. يعكس هذا الانخفاض حالة من التوازن بين العرض والطلب في الأسواق النفطية، بالإضافة إلى المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.

من المتوقع أن تشهد الأسواق المالية العالمية استمرارًا في حالة عدم اليقين خلال الفترة المقبلة، حيث يتأثر أداء الأسهم والسلع والمعادن بالعديد من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية. سيكون من المهم مراقبة تطورات سياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي، والتوترات التجارية والجيوسياسية، ومعدلات التضخم، وتقييم المخاطر من قبل المستثمرين.

شاركها.