تشهد تحركات أسواق الخزانة الأمريكية ما حدث في خريف العام الماضي، عندما أقدم مجلس الاحتياطي الفيدرالي على سلسلة من خفض أسعار الفائدة انتهت بارتفاع تكاليف الاقتراض طويلة الأجل.

في سبتمبر 2024، قام الفيدرالي بخفض كبير بلغ 50 نقطة أساس، أعقبه خفض ربع نقطة في نوفمبر وديسمبر. هذه الخطوات أدت إلى موجة بيع في السندات طويلة الأجل رفعت عوائد السندات لأجل 10 سنوات بأكثر من 100 نقطة أساس خلال أقل من 4 أشهر.

هذا التراجع حدّ أيضا من مكاسب الأسهم، فمؤشر “إس آند بي 500” أنهى العام بارتفاع 25%، لكنه لم يزد سوى 3% تقريباً منذ بدء ارتفاع العوائد وحتى نهاية 2024، وفقا لـ “بارونز”.

أما هذا العام، فإن خفض الفائدة الأخير بمقدار ربع نقطة، الذي وصفه رئيس الفيدرالي جيروم باول بأنه خطوة لإدارة المخاطر، لم يطلق بعد موجة بيع مماثلة. لكن البيانات المرتقبة للتضخم، وإمكانية إغلاق حكومي، إضافة إلى القلق بشأن مستويات الدين الأمريكي، تبقى عوامل ضاغطة على الأسواق.

سجل العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات 4.13% في تداولات الجمعة، مرتفعاً 14 نقطة أساس منذ قرار الفائدة الأخير. ويعزو بعض المحللين هذه الحركة لمخاوف أن يركز الفيدرالي على ضعف سوق العمل على حساب التضخم، ما قد يسمح بترسيخ ضغوط الأسعار.

باول قد يتناول هذه المخاوف في خطابه الأسبوع المقبل، في وقت يترقب فيه المستثمرون بيانات مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي، المقياس المفضل للفيدرالي، حيث يتوقع أن يسجل 3% على أساس سنوي في أغسطس، وهو الأعلى منذ يناير 2024.

رئيس قسم الدخل الثابت في شركة ثورنبورج لإدارة الاستثمارات، كريستيان هوفمان، قال: “ستنتظر السوق مزيدا من إجابات باول حول جدوى خفض أسعار الفائدة، في ظل توقعات ثابتة باستمرار ارتفاع التضخم والبطالة وسط نمو اقتصادي أعلى”.

قلق المستثمرين في سوق السندات يتزايد مع احتمال تسارع التضخم، إذ يقلل من القيمة المستقبلية للمدفوعات. واستمرار ارتفاع الأسعار سيدفعهم للمطالبة بعوائد أكبر، ما يرفع تكلفة الاقتراض الحكومي.

هذه المخاطر تأتي بينما يقترب العجز المالي الأمريكي من تريليوني دولار بزيادة 11% عن العام السابق، فيما يُتوقع أن يتجاوز الدين 50 تريليون دولار بحلول منتصف العقد المقبل.

كما يشكل صعود العوائد تحديا إضافيا لسوق الإسكان، العالقة بين أسعار قياسية، وبناء بطيء، ومعدلات رهن مرتفعة تعوق عمليات البيع وإعادة التمويل.

في ظل هذه التحديات بدأ بعض المستثمرين بالتركيز على ما يُعرف بـ”المهمة الثالثة” للاحتياطي الفيدرالي، إضافة إلى مهمته المتمثلة في ضمان أقصى قدر من التوظيف مع استقرار التضخم: أسعار فائدة معتدلة طويلة الأجل.

يرى خبراء “بنك أوف أمريكا” بقيادة رالف بروسير أن هذا الهدف قد يُفسَّر مستقبلا كأداة لتحقيق أهداف أخرى، مثل دعم النمو الاقتصادي وسوق الإسكان، لكن تبقى ردة فعل الأسواق على مثل هذا التدخل المباشر سؤالا مفتوحا.

شاركها.