في ظل ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية عالميًا، يتوقع كثير من المحللين أن يستمر هذا الارتفاع في ظل حالة عدم اليقين بشأن السياسات النقدية الأمريكية، والرسوم الجمركية، والتضخم المتصاعد.

وكما قالت صحيفة “نيكاي آسيا”، دفع هذا الارتفاع كثيرًا من الناس في الدول النامية مثل إندونيسيا وغانا وبيرو إلى البحث عن الذهب باستخدام أدوات بسيطة على أمل الحصول على دخل سريع.

منغوليا، وخاصة إقليم “بايانخونغور” جنوب غربي البلاد، شهدت موجات من حمى الذهب في العقود الماضية، لكن الوضع اليوم مختلف. حيث إنه رغم معاناة سكان الأرياف اقتصاديًا، إلا أن أنشطة التعدين اليدوي تراجعت بشكل ملحوظ. السبب؟ ما يُمكن وصفه “بآثار ما بعد الحمى” نتيجة التجربة السابقة.

فقد وضعت منغوليا، بدعم من وكالات التنمية الدولية، إطارًا قانونيًا يُمكّن مجموعات الحفّارين المستقلين من الحصول على تراخيص للتنقيب عن الذهب، لكن بشرط موافقة المجالس المحلية. وفي الواقع، ترفض هذه المجالس عادةً منح الموافقات، بسبب المخاوف البيئية. وقد أصبحت السلطات أكثر صرامة في مكافحة التعدين غير القانوني.

بين النظام والتهميش

تستسيجي ماجناي، كانت ذات يوم عاملة تعدين غير مرخصة في “بايان-أوفو”، لكنها انضمت قبل عقد إلى تعاونية مدعومة من مشروع سويسري. وحققت هذه التعاونية اعترافًا دوليًا لتخليها عن الزئبق وعمالة الأطفال، ولالتزامها بإعادة تأهيل الأراضي بعد التعدين.

لكن في عام 2021، أوقفت التعاونية أعمالها بعد أن رفض مالك الأرض تجديد العقد، ولم تتمكن من الحصول على موافقات لموقع بديل، رغم الدعم الرسمي على المستوى الوطني والمحلي. وتقول تسيتسيجي: “لا نريد العودة إلى الحياة غير القانونية”.

وعلى الصعيد العالمي، يُشكّل الحرفيون المستقلون 20% من إنتاج الذهب، ويمثلون 80% من العاملين في هذا القطاع، بحسب مجلس الذهب العالمي. لكن فقط خُمس هؤلاء يملكون وضعًا قانونيًا رسميًا.

في منغوليا، عددهم أقل مقارنة بدول مثل الهند والصين، لكنهم يُشكلون نسبة أكبر من السكان مقارنة بأي دولة آسيوية أخرى. وبحسب برنامج “بلانِت جولد” التابع للأمم المتحدة، فإن التعدين اليدوي للذهب موجود في ثلثي أقاليم البلاد الـ21، ويشارك فيه ما بين ثُمن وخُمس القوى العاملة الريفية.

من “النينجا” إلى التعاونيات

في تسعينيات القرن الماضي، وبعد انهيار النظام الشيوعي، فقد آلاف وظائفهم في الشركات الحكومية، ما دفع كثيرين، مثل تويا دامدينجامتس، إلى التوجه للتعدين اليدوي. ومع مرور الوقت، توسعت هذه الأنشطة، رغم ملاحقات الشرطة، خاصة بعد موجات جفاف أواخر التسعينيات.

عرف هؤلاء الحفّارون باسم “النينجا” بسبب أدوات الحفر الخضراء التي كانوا يحملونها على ظهورهم، والتي تشبه أصداف سلاحف “نينجا”. لاحقًا، وبدعم من مشروع “التعدين الحرفي المستدام”، بدأت عمليات تنظيمهم ضمن تعاونيات تخلّت عن الزئبق والمواد السامة، وبدأوا يعملون بتنسيق مع المزارعين والجهات التنظيمية. كما باتوا يدفعون ضرائب على الذهب المستخرج.

لكن مع اتساع الإطار القانوني، استغله البعض لجلب معدات ثقيلة والعمل دون مراعاة للبيئة، ما دفع الحكومة إلى تشديد الرقابة ومنح المجالس المحلية سلطات أكبر في منح التصاريح. تقول تويا: “هذا أوقف القانونيين أمثالي، لا غير القانونيين”.

عقبات ثقافية واقتصادية

لا يزال كثير من المنغوليين ينظرون إلى التعدين مصدرا للدمار، ويرتبط ذلك بنظرة ثقافية تقليدية تقدس الطبيعة والمراعي. كما أن السمعة السيئة التي خلّفها الحفّارون في البدايات ما زالت تؤثر في الرأي العام.

في بعض الحالات، منعت المجالس المحلية حتى إنشاء مصانع لمعالجة الذهب خالية من الزئبق، خشية أن تجذب مزيدًا من الحفارين وتؤدي إلى أضرار بيئية. من جهة أخرى، يحظى هذا النشاط بقبول شعبي أوسع في دول آسيوية أخرى مثل الفلبين وإندونيسيا، بسبب تاريخه الطويل مصدر رزق مشروع.

وفي حين تواصل منغوليا الاعتماد على مشاريع تعدين ضخمة تنفذها شركات أجنبية، يرى مسؤولون محليون مثل حاكم “بايانخونغور” أن التعدين الحرفي يعود بالنفع المباشر على الاقتصاد المحلي، حيث تُنفق مداخيل الحفّارين محليًا، خلافًا لعائدات الشركات الكبرى التي تذهب غالبًا إلى العاصمة.

ولتحقيق استفادة حقيقية من أسعار الذهب المرتفعة، تحتاج التعاونيات إلى إقناع المجتمعات المحيطة بأنها قادرة على التوفيق بين التعدين والحفاظ على البيئة. لكن القول أسهل من الفعل.

تسعى جمعية هامود للحصول على تصريح للتعدين في منطقة أولزيت، على بُعد 70 كيلومترًا شرق بايان-أوفو، لكن مجلس المواطنين هناك طالب بدفعة مسبقة كبيرة من الضرائب التي لا يستطيع أعضاء التعاونية تحملها، وفقًا لتسيتسيجي، التي تساءلت: “كيف نُقدِّم دفعة ضرائب مسبقة ونحن بلا دخل منذ 4 سنوات؟”.

شاركها.