سجّلت روسيا مستويات قياسية في صادرات النفط الخام، لكن هذا الارتفاع في الكميات المصدرة جاء مصحوبًا بتحديات لوجستية متزايدة. فقد أظهرت بيانات حديثة أن صادرات النفط الروسي ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عامين، إلا أن تأخر تفريغ الشحنات أدى إلى تراكم كبير للنفط على متن الناقلات، خاصةً قبالة سواحل الهند والصين، مما يثير تساؤلات حول قدرة روسيا على الحفاظ على هذا المعدل في ظل الظروف الحالية.

وبحسب وكالة بلومبرغ، بلغت صادرات النفط الروسي 3.87 مليون برميل يوميًا خلال الأسابيع الأربعة التي انتهت في 21 ديسمبر، بزيادة تقارب 200 ألف برميل يوميًا مقارنة بالفترة السابقة. ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع في الصادرات لا يعكس بالضرورة وصول النفط إلى وجهته النهائية بسرعة، حيث تشير التقارير إلى أن أكثر من 20 ناقلة تنتظر حاليًا تصاريح للرسو في الموانئ الصينية والهندية، وقد تستغرق بعض الشحنات عدة أشهر لتفريغ حمولتها.

تأثير العقوبات والطقس على تدفقات النفط الخام الروسي

يأتي هذا التباطؤ في عمليات التسليم في وقت تفرض فيه الولايات المتحدة عقوبات متزايدة على قطاع الطاقة الروسي. ففي نوفمبر الماضي، أدرجت الولايات المتحدة أكبر شركتين روسيتين مُصدرتين للنفط، وهما روسنفت ولوك أويل، على القائمة السوداء، مما أدى إلى تعطيل بعض عمليات التصدير. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الظروف الجوية السيئة في بعض المناطق في تأخير تفريغ الشحنات.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن تراجع أسعار النفط العالمي أدى إلى انخفاض قيمة الشحنات الروسية. فقد شهدت أسعار خام الأورال انخفاضًا حادًا، حيث تراجعت بنحو 25 دولارًا للبرميل عن ذروتها في منتصف يوليو، لتصل إلى حوالي 34 دولارًا للبرميل في نهاية الأسبوع الماضي. في المقابل، أظهر خام “إسبو” أداءً أفضل نسبيًا، ولكنه لا يزال قد انخفض بنحو 30% خلال نفس الفترة.

تراجع القدرة الإنتاجية الروسية

تشير بعض التقارير إلى أن تراجع القدرة الإنتاجية الروسية، نتيجة للهجمات على منشآت التكرير، قد ساهم في زيادة الكميات المتاحة للتصدير. فقد تسببت هجمات الطائرات المسيّرة الأوكرانية في إلحاق أضرار بمصفاة ياروسلافل، وهي واحدة من أكبر عشر منشآت لإنتاج الوقود في روسيا. ومع ذلك، فإن هذا التفسير لا يفسر بشكل كامل التحديات اللوجستية التي تواجهها الصادرات الروسية.

تكتيكات التهرب من العقوبات

وسط هذه التحديات، يبدو أن بعض شركات الشحن الروسية تلجأ إلى تكتيكات للتهرب من العقوبات. فقد اختفت العديد من السفن من أنظمة التتبع في منطقة أرخبيل رياو شمال شرق سنغافورة، وهي منطقة معروفة بنقل النفط الإيراني الخاضع للعقوبات. وتشير البيانات إلى تنفيذ ما لا يقل عن ست عمليات نقل لشحنات روسية في هذه المنطقة منذ نوفمبر، بالإضافة إلى اختفاء ست ناقلات أخرى محمّلة بالكامل حتى الآن هذا الشهر.

وتشير هذه التحركات إلى أن روسيا تسعى إلى إخفاء مصدر شحناتها النفطية وتجنب الرقابة الدولية. وقد رُصدت عمليات نقل إضافية بالقرب من قناة السويس وبجوار ميناء كوزمينو الروسي في المحيط الهادئ، مما يؤكد هذا الاتجاه. هذه الممارسات تزيد من تعقيد تتبع صادرات النفط الروسية وتثير مخاوف بشأن الامتثال للعقوبات.

تراكم النفط في البحر

أظهرت بيانات تتبع السفن أن حجم النفط الخام الروسي الموجود في البحر قد قفز بنسبة 48% منذ نهاية أغسطس. ويعزى هذا التراكم إلى التأخير في تفريغ الشحنات، بالإضافة إلى تزايد عدد الناقلات التي لا تُظهر وجهتها النهائية. ويشكل هذا التراكم تحديًا لوجستيًا كبيرًا، حيث يزيد من تكاليف الشحن ويقلل من كفاءة سلسلة التوريد.

وجهات الصادرات وتطوراتها

على الرغم من التحديات، لا تزال آسيا الوجهة الرئيسية لصادرات النفط الروسي. فقد قفزت الشحنات المرصودة إلى عملاء روسيا في آسيا إلى مستوى قياسي بلغ 3.7 مليون برميل يوميًا خلال الأسابيع الأربعة التي انتهت في 21 ديسمبر. ومع ذلك، يبدو أن الكميات المتجهة إلى الصين والهند قد تراجعت، وهو ما يعوضه تزايد الكميات على متن الناقلات التي لم تُحدد وجهتها النهائية بعد.

وفيما يتعلق بتركيا وسوريا، فقد انخفضت التدفقات إلى هاتين الوجهتين بشكل ملحوظ. فقد تراجعت التدفقات المتجهة إلى تركيا خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة، ولم تُسجل أي شحنات إلى سوريا منذ سبتمبر الماضي. ويعكس هذا التراجع التغيرات في المشهد الجيوسياسي وتأثير العقوبات على تدفقات النفط.

في الختام، تشير البيانات إلى أن صادرات النفط الروسي تواجه تحديات لوجستية متزايدة، نتيجة للعقوبات والظروف الجوية وتراجع القدرة الإنتاجية. ومن المتوقع أن تستمر هذه التحديات في المدى القصير، مما قد يؤدي إلى مزيد من التقلبات في أسعار النفط وتغييرات في أنماط التجارة العالمية. يجب مراقبة تطورات العقوبات الدولية، والظروف الجوية في مناطق الشحن الرئيسية، والقدرة الإنتاجية الروسية لتقييم تأثيرها على سوق النفط في المستقبل.

شاركها.