حذّر بنك “سيتي غروب” المستثمرين من مخاطر عدم التحوط ضد احتمال صعود الدولار الأمريكي، في خطوة تباين مع توقعات العديد من المؤسسات المالية الأخرى في وول ستريت. يأتي هذا التحذير في ظل أداء قوي نسبيًا لأصول الأسواق الناشئة منذ بداية العام، لكن “سيتي غروب” يرى أن الظروف التي ساهمت في ضعف الدولار بدأت في التغير، مع توقعات بتأثيرات محتملة في منتصف عام 2025 وما بعده. يشير هذا إلى ضرورة إعادة تقييم استراتيجيات الاستثمار في الأسواق الناشئة.
ويرجع هذا التوقع إلى عدة عوامل، أبرزها التحول المتزايد نحو الاستثمار في قطاع الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى عدم وجود دلائل قوية على انهيار التجارة العالمية على الرغم من الزيادات الأخيرة في الرسوم الجمركية الأمريكية. هذه العوامل، بحسب “سيتي غروب”، قد تعيد ترسيخ مكانة الاقتصاد الأمريكي وتدعم قيمة عملته.
توقعات صعود الدولار الأمريكي وتأثيرها على الأسواق الناشئة
أوضح لويس كوستا، أحد استراتيجيي “سيتي غروب”، وزملاؤه في مذكرة بحثية حديثة أن هذه العوامل تدفع نحو عودة مفهوم “الاستثنائية الأمريكية”، مما يؤثر بشكل مباشر على ديناميكيات الدولار الأمريكي. ويضيف كوستا أنه ما لم يشهد السوق الأمريكي تراجعًا حادًا في أسعار الأسهم، فمن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه، مما يعني أن الدولار سيكون أكثر قدرة على الصمود.
تعتبر هذه النظرة مخالفة للتوقعات السائدة في مؤسسات مالية كبرى مثل “مورغان ستانلي” و”بنك أوف أميركا” و”غولدمان ساكس”، التي تتوقع استمرار ضعف الدولار، خاصة مع توقعات بتخفيضات في أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي في عام 2026. ويرى هؤلاء المحللون أن تخفيضات الفائدة ستزيد من جاذبية الأسواق الناشئة كوجهة استثمارية.
ومع ذلك، يرى “سيتي غروب” أن بعض الأسواق الناشئة لا تزال تتمتع بهوامش أمان كافية لمواجهة قوة الدولار المحتملة، وذلك من خلال الاستفادة من صفقات “تجارة الفائدة”. تتضمن هذه الصفقات اقتراض الأموال بعملات ذات عائد منخفض للاستثمار في عملات ذات عائد أعلى.
استراتيجيات الاستثمار المقترحة
يوصي “سيتي غروب” بتبني استراتيجية تتضمن بناء مراكز شراء طويلة الأجل في عملات مثل الليرة التركية والريال البرازيلي والبيزو المكسيكي، للاستفادة من الفروق في أسعار الفائدة. ويقترح تمويل هذه المراكز من خلال مراكز بيع في الدولار الكندي والفرنك السويسري والبات التايلاندي.
على الرغم من الفرص التي توفرها صفقات تجارة الفائدة، يتوقع “سيتي غروب” أن تظل العائدات الإجمالية لسندات الأسواق الناشئة في حدود 5% خلال العام المقبل. هذا يشير إلى أن المستثمرين يجب أن يكونوا واقعيين بشأن العوائد المحتملة.
بالإضافة إلى ذلك، يتوقع البنك أن يشهد الاقتصاد الأمريكي تعافيًا في عام 2026، مدفوعًا بشكل أساسي بالإنفاق الاستهلاكي للأسر، ما لم يتباطأ النمو العالمي المرتبط بالذكاء الاصطناعي. هذا التعافي المحتمل قد يعزز من قيمة الدولار الأمريكي.
الاستثمار في الأسواق الناشئة يتأثر أيضًا بعوامل سياسية واقتصادية أخرى. يشير “سيتي غروب” إلى أن الانتخابات القادمة في عدد من دول أمريكا اللاتينية والمجر، بالإضافة إلى الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا، تمثل موضوعات استثمارية رئيسية أخرى في الأسواق الناشئة خلال العام المقبل.
نظرة مستقبلية وتحذيرات
يستبعد “سيتي غروب” أن تتمكن الاقتصادات العالمية من تكرار الأداء القوي الذي سجلته عملات الأسواق الناشئة في النصف الأول من عام 2025. ويؤكد كوستا على أن المستثمرين يجب أن يكونوا حذرين وأن يراقبوا عن كثب التطورات الاقتصادية والسياسية العالمية. من المتوقع أن يستمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في مراقبة بيانات التضخم والنمو الاقتصادي لتحديد مسار أسعار الفائدة، وهو ما سيكون له تأثير كبير على قيمة الدولار الأمريكي. كما أن تطورات الذكاء الاصطناعي والتوترات الجيوسياسية ستظل عوامل رئيسية تؤثر على الأسواق المالية العالمية.
بشكل عام، يرى “سيتي غروب” أن التحوط ضد صعود الدولار هو خطوة ضرورية للمستثمرين في الأسواق الناشئة، على الرغم من التوقعات المتباينة بين المؤسسات المالية المختلفة. من المهم متابعة التطورات الاقتصادية والسياسية عن كثب لاتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.
