شهد سعر النحاس ارتفاعاً قياسياً تاريخياً، متجاوزاً حاجز الـ 12 ألف دولار للطن في بورصة لندن للمعادن. يأتي هذا الارتفاع مدفوعاً بشكل رئيسي بنقص حاد في المعروض من مناجم النحاس حول العالم، بالإضافة إلى تأثير التوترات التجارية والرسوم الجمركية المحتملة التي قد يفرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ويُعتبر هذا الصعود الأكبر منذ عام 2009، مما يعكس حالة من التفاؤل الحذر في سوق المعادن.
وصل سعر المعدن إلى 12031.50 دولار للطن، مسجلاً زيادة بنحو 37% منذ بداية العام الحالي. يعزو المحللون هذا الارتفاع إلى عدة عوامل متضافرة، بما في ذلك زيادة الطلب من الولايات المتحدة قبل أي رسوم جمركية محتملة، وتوقعات بارتفاع الاستهلاك في قطاعات رئيسية مثل السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.
أهمية النحاس كمؤشر للاقتصاد العالمي
يُعد النحاس على نطاق واسع مؤشراً حيوياً على النشاط الصناعي العالمي، حيث يدخل في العديد من الصناعات الأساسية. على الرغم من تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، أحد أكبر مستهلكي النحاس في العالم، إلا أن ذلك لم يمنع ارتفاع الأسعار، مما يشير إلى قوة الطلب من مناطق أخرى.
تأثير العرض والطلب
تفاقم مشكلة نقص الإمدادات بسبب تحديات إنتاجية في مناجم النحاس في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا. تشير تقديرات “دويتشه بنك” إلى أن إنتاج شركات التعدين الكبرى قد ينخفض بنسبة 3% هذا العام، مع توقعات بمزيد من الانخفاض في عام 2026. هذا النقص الواضح في المعروض يضع ضغوطاً تصاعدية على الأسعار.
بالإضافة إلى ذلك، أدت الزيادة الكبيرة في صادرات النحاس إلى الولايات المتحدة، تحسباً لرسوم جمركية محتملة، إلى تفاقم حالة النقص في الأسواق العالمية. هذا التوجه دفع الشركات إلى زيادة مخزونها من النحاس قبل تطبيق أي قيود تجارية.
توقعات مستقبلية لأسعار النحاس
تتراوح التوقعات بشأن مستقبل أسعار النحاس بين التفاؤل الحذر والترقب. يرى محللو “سيتي غروب” أن الأسعار قد تصل إلى 15 ألف دولار للطن في سيناريو متفائل، مدفوعة بتراجع قيمة الدولار وتخفيض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، مما يزيد من جاذبية النحاس كأصل استثماري.
ومع ذلك، يحذر بعض المحللين من أن الارتفاع الحالي في الأسعار يعتمد بشكل كبير على التوقعات المستقبلية بشأن نقص الإمدادات، وليس على التوازن الفعلي بين العرض والطلب في الوقت الحالي. يشير محللو “غولدمان ساكس” إلى أن الارتفاع مدعوم برهانات المستثمرين، مع بقاء بعض الشكوك حول استمرار هذا الزخم.
على الرغم من هذه التحذيرات، لا تزال “غولدمان ساكس” توصي بالاستثمار في النحاس، حيث رفعت توقعاتها للأسعار إلى 11400 دولار للطن خلال العام المقبل. يعكس هذا التوجه الاعتقاد بأن الطلب القوي على النحاس سيستمر في دعم الأسعار على المدى المتوسط والطويل.
تتأثر أسعار المعادن بشكل عام، بما في ذلك النحاس، بعوامل متعددة مثل النمو الاقتصادي العالمي، والتغيرات في السياسات التجارية، وتطورات التكنولوجيا، وخاصة في قطاعات الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية. كما أن التوترات الجيوسياسية والظروف المناخية يمكن أن تؤثر على إنتاج النحاس وتوافره في الأسواق.
في الختام، من المتوقع أن يستمر التركيز على تطورات العرض والطلب في سوق النحاس خلال الأشهر القادمة. سيراقب المستثمرون عن كثب أي تغييرات في السياسات التجارية الأمريكية، بالإضافة إلى البيانات الاقتصادية الصادرة من الصين وبقية أنحاء العالم. من المقرر أن يتم تقييم تأثير هذه العوامل على أسعار النحاس في الربع الأخير من عام 2024، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر المحتملة المتعلقة بالظروف الجيوسياسية والتقلبات الاقتصادية العالمية.
