شهدت حيازات الذهب في صناديق المؤشرات المتداولة ارتفاعًا ملحوظًا في نهاية شهر نوفمبر، لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. يعكس هذا الارتفاع استمرار تدفقات المستثمرين نحو المعدن النفيس، مدفوعة بمجموعة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية العالمية. ويشير هذا التوجه القوي إلى زيادة الثقة في الذهب كمخزن للقيمة في ظل التقلبات المالية.
أفاد مجلس الذهب العالمي بأن إجمالي الحيازات في هذه الصناديق بلغ 3932 طنًا بنهاية نوفمبر، مسجلًا نموًا شهريًا لستة أشهر متتالية. تتجه الحيازات نحو تحقيق أكبر زيادة سنوية لها منذ بداية تتبع هذه البيانات، حيث تم إضافة أكثر من 700 طن خلال العام الحالي. هذا النمو يضع الذهب في موقع قوي كأصل استثماري جاذب.
مكاسب مطردة في أسعار الذهب
منذ أواخر عام 2022، بدأ الذهب في تسجيل مكاسب مستمرة، لكن وتيرة هذا النمو تسارعت بشكل خاص خلال عام 2023. يتوقع المحللون أن يكون هذا العام هو الأفضل للذهب منذ عام 1979، حيث يعزز المستثمرون ملاذاتهم الآمنة ويبحثون عن بدائل استثمارية في ظل تراجع جاذبية السندات الحكومية والعملات التقليدية.
محركات الطلب على الذهب
الأداء القوي للذهب يعزى إلى عدة عوامل مترابطة. أولاً، المخاوف المتزايدة بشأن عجز الميزانيات في الاقتصادات الكبرى أدت إلى ما يعرف بـ “تداول خفض قيمة العملة”، مما زاد من جاذبية الأصول التي تحافظ على قيمتها مثل الذهب. ثانيًا، أدت التوترات الجيوسياسية المستمرة إلى زيادة الطلب على الأصول الآمنة.
بالإضافة إلى ذلك، يشكل احتمال قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة دعماً إضافياً للذهب. حيث أن خفض الفائدة يقلل من جاذبية الأصول التي تدرّ دخلاً، ويجعل الذهب، الذي لا يدرّ عائداً، أكثر تنافسية. هذا التحول في السياسة النقدية الأمريكية يراقبها المستثمرون عن كثب.
أظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي أن آسيا كانت المحرك الرئيسي لتدفقات الاستثمار في الذهب خلال شهر نوفمبر، حيث كانت الصين أكبر مساهم فردي في هذا النمو. يعزو المحللون هذا الإقبال إلى ضعف أداء سوق الأسهم الصيني والظروف الجيوسياسية المعقدة.
كما سجلت الهند ستة أشهر متتالية من التدفقات الداخلة الناتجة عن ارتفاع طلب المستهلكين والمستثمرين. يبرز هذا التوجه أهمية الأسواق الناشئة كمساهمين رئيسيين في الطلب العالمي على الذهب. ويدل على تنوع المخاطر الاستثمارية في هذه الدول.
رونا أوكونيل، رئيسة تحليل السوق في “ستون إكس فاينانشال”، أشارت إلى أن مستثمري صناديق المؤشرات لعبوا دوراً محورياً في تحديد أسعار الذهب خلال الأشهر الأخيرة، وأن التدفقات الكبيرة نحو الذهب من المرجح أن تستمر بسبب التوجه العام نحو الأصول المادية. وتؤكد أوكونيل أن الذهب لم يعد مجرد متلقي لاتجاهات السوق بل أصبح قوة دافعة رئيسية.
الاستثمار في الذهب كأصل بديل (alternative asset) يزداد شعبية، خاصة مع تزايد المخاوف بشأن التضخم وعدم اليقين الاقتصادي. يُنظر إلى الذهب تقليديًا على أنه وسيلة للتحوط ضد التضخم، حيث يميل سعره إلى الارتفاع عندما تنخفض القوة الشرائية للعملات.
يرى خبراء الاقتصاد أن الأداء القوي للذهب قد يستمر في المستقبل القريب، خاصة إذا استمرت التوترات الجيوسياسية في التصاعد. ومع ذلك، هناك أيضًا عوامل قد تؤثر على سعر الذهب، مثل قوة الدولار الأمريكي وسياسات البنوك المركزية العالمية. (الاستثمار في المعادن الثمينة)
في الختام، من المتوقع أن يستمر مجلس الذهب العالمي في نشر بيانات دورية حول حيازات الصناديق وتدفقات الاستثمار، مما يوفر للمستثمرين لمحة عن اتجاهات السوق. من المهم متابعة هذه البيانات والتحليلات لفهم التطورات المستقبلية في سوق الذهب، خاصة مع اقتراب نهاية العام وبداية عام جديد قد يحمل تحديات وفرصًا جديدة. كما يجب مراقبة القرارات الاقتصادية والسياسية التي قد تؤثر على قيمة الذهب.
